تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والعقيدة الإسلامية، بسبب مقاربتها المشوهة باستعمالها أدوات "منقولة" منفصلة عن الذات لبعدها عن ركن العمل والدخول في التجربة الإيمانية، وزهدها في استعمال أدوات "مأصولة" مستنبطة من التجربة الذاتية للتراث وللغة الحاملة لدلالته ومعناه، ويجتهد الأستاذ عبد الرحمن في صياغة نموذج غير مسبوق في فهم الفعالية العقلية يتعين في ثلاث مراتب: مرتبة "العقل المجرد" وينطبق على صاحبه وصف "المقارب"، ومرتبة "العقل المسدد" وينطبق على صاحبه وصف "بقرباني"، ومرتبة "العقل المؤيد" ويطلق على صاحبه "المقرب"، و تتميز النصوص الناقدة للتوجه التراثي للفكر الفلسفي العربي و الفكر الحداثة بالقدرة على البناء الفلسفي المتشبع بآليات منهجية و لغوية تضع فكر عبد الرحمن في مكانة رفيعة ومتميزة في باب الحجاز الفلسفي و المناظرة الكلامية.

ان الأهمية الكبرى التي ينطوي عليها كتاب "سؤال الأخلاق" كونها تشكل الروح الناظمة و الموجهة لمجمل اختياراته الفكرية والعملية, و مركزية هذا النص تكمن في توظيف مفاهيم مبتكرة في غاية الدقة في نقده للحداثة الغربية و يستخدم لغة و مفاهيم تتصل بتصورات محددة للتاريخ و الإنسان, و يشتغل بعناية فائقة و بمنطق محكم على ما يهدف إليه و يسعى إلى تأسيسه عن طريق عمليات نقدية مبتكرة للمعرفة الفلسفية و العلمية ينطلق من نقده للعقل المجرد و يصله بنقد للنظام العلمي التقني للعالم والعولمة, كل ذلك من أجل الدعوة إلى أخلاق الإسلام و تجديد الفكر الديني عبر التأمل في كيفيات رفع المحاصرة المضروبة على الإسلام و السعي لإعادة تأسيس أركان النظرية الأخلاقية الإسلامية, وينشأ السجال الفكري في بناء النص مخاصما الأسس و الأصول التي انبنت عليها الحداثة و كما تبلورت واقعا في الفكر المعاصر, حيث يعيد الاعتبار للمقوم الأخلاقي باعتباره ما يكون به الإنسان إنسانا وهذا المقوم يكافئ "العقل المؤيد" أما العقلانية التي انتصر لها دعاة الحداثة فهي تكافئ "العقل المجرد" وهو العقل الوضعي و العقل التاريخي الذي لا يملك اليقين بنفع لا ضرر فيه ولا بصواب لا خطأ معه, و يفتح المجال واسعا أخلاق العمق في مقابل أخلاق السطح, من أجل الارتقاء بالإنسان إلى طلب اللامتناهي, و يشدد على الربط بين الأخلاق و الدين باعتباره أصل الأصول و المبدأ الأكبر الموجه لمختلف المعايير المستخدمة في نقد أصول الحداثة التي تستند إلى العقلانية المجردة بمظاهرها المتمثلة في سيادة سلطان القول و نمط المعرفة والنظام التقني و تجدد الهوية المنتظر, و تنبني وحدة الدين والأخلاق على تصور للدين يتجاوز البعد الشعائري وينشد سلوك ديني تكون فيه الشعائر فاعلة وفق معانيها الخفية, وفي سياق نقده للعقلانية المجردة والمسددة يدافع عن العقلانية المؤيدة التي تسلم بوصل القول والفعل وعدم انفصال المعرفة بالله عن العلم بالأشياء وتؤمن بعدم انفكاك الزيادة بالمعرفة عن الفائدة, وهي المرتبة الأسمى من العقلانية التي تمكن صاحبها من تلقي الخطاب القرآني باعتبار أن معانيه تتجاوز الرسوم لأنها مودعة في نفس المتخلق وفي العالم من حوله, وتجعله قادرا على تحمل الرؤيا التي لا تنقطع وذلك عن طريق الاشتغال بالله و التعامل مع الله, هذه الخاصية الجوهرية للفعل الإنساني، والمتخلق بالدين هو وحده من يتمكن من الارتقاء من رتبة العقلانية المجردة إلى رتبة العقلانية المسددة بأحكام الشريعة ثم الوصول إلى رتبة العقلانية المؤيدة, وبهذا يصبح صاحبه مالكا للعقل الكامل الذي يجعله يدرك ما لا يدرك غيره ويصيب حيث لا يصيب.

أما حضارة القول التي تقوم عليها الحداثة الغربية فيمكن درء مفاسدها عن طريق نقد أشكال "التضييق" و"التجميد"و"التنقيص" في سبيل بناء نموذج "التخلق المؤيد" كوسيلة تساعد على امتلاك المبادئ القادرة على التخلص من الآفات السابقة, حيث يتيح التخلق بالصفات الحسنى الاقتداء الحي بأخلاق الرسول موصولا في النهاية إلى الشعور بالسعادة, و محققا النظرة الإنسانية الحائزة على ملكة الذوق الجمالي, وبهذا السلوك يمكن تجاوز الجماليات السفلى والتطلع للجماليات العليا, فالعقل المؤيد يساهم في التخلص من زيف الحضارة الحديثة فتجربة التغلغل الروحي و العبادة تخرج الإنسان من طلب حظوظ السيادة على الكون إلى أداء حقوق العبودية لأسياد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير