قد يسأل سائل: هل ثمّة حاجة إلى مثل هذا المعجم، والمكتبة العربية حافلةٌ بالمعاجم، قديمها وحديثها، المطّول منها والميَّسر؟
السؤال مشروع، والجواب عنه لازم ومفيد.
إذا صحَّ أن المعاجم القديمة كانت وما تزال حصونًا صانت اللغةَ العربية من الشتات، ونقلتْها إلى الأجيال مع ما تزخر به من غنى وتنوّع وأصالة، فصحيحٌ أيضًا أن ترتيب مفردات تلك المعاجم بالاستناد إلى آخر أصل الكلمة، لم يعد مُستساغًا، مما دعا المعاصرين من اللغوّيين إلى ترتيب هذه المفردات بالاستناد إلى الحرف الأول من الكلمة. ولكن مادة المعاجم القديمة بقيت على حالها، إذ وقفتْ باللغة عند الحِقبة الزمنية التي تم تأليفها خلالها، وهي القرون الخمسة الأولى للهجرة؛ ولم تتضمن، بعد ذاك التاريخ، ما أتى به المولَّدون والمُحدثون من الكلمات والمصطلحات الجديدة. حتى إذا جاء العصر الحديث وما صاحبه من نهضة عربية، بدأت مع أواخر القرن التاسع عشر وما تزال مستمرة، بدا واضحًا أن المعاجم القديمة، على غناها وجودتها وشمولها، أصبحت مقصّرة عن استيعاب الجديد من المعرفة ومدلولاتها ومفرداتها المستحدثة.
والواقع أن معارف البشر، إذ تتطوّر وتتنامى باطّراد، تملي على لغاتهم أن تتطوّر بدورها وأن تولَد من المفردات والتعابير الجديدة ما يستوعب المفاهيمَ والأفكار المبدَعة. ولا يتيسر مثل ذلك إلا للغاتِ الحيّة، والعربيةُ إحداها.
هكذا اغتنت لغتنا بالألوف من الكلمات والتعابير الجديدة، بعد إطلاق القياس ليشملَ ما قِيسَ من قبلُ وما لم يُقَسْ، وبعد إفساح المجال لاشتقاقات جديدة، وتحرير السماع من قيود الزمان والمكان، وتوليد ألفاظ، وتعريب أخرى. بذلك حققت اللغة العربية قفزةً نوعية استتبعتْ تأليفَ معاجم جديدة، بعضُها لغويّة بمعنى عام، وبعضها متخصّصة، تضم المفردات الخاصةَ بميدان محدّدٍ من ميادين المعرفة، فهذا معجم لعلوم الطبيعة، وآخرُ للصناعة، وثالثٌ للتجارة والاقتصاد، وهكذا.
إن هذا المعجم، إذْ نقدِّمه اليوم إلى القُراء، هو معجم لغويٌّ، يشترك مع نظائره من معاجم اللغة العربية، قديمِها وحديثِها، في ما يرمي إليه من شرح مفردات اللغة، وإيضاح الغامض منها، وضبطِ معانيها وتِبيانِ استعمالها.
بيد أنه يتميز عن المعاجم الأخرى بخصائص خليقةٍ أن نأتي على ذكرها فيما يلي:
(1) جرى ترتيب مفردات المعجم بحسب لفظها وتسلسل الحرف الأول ألفبائيًا بصرف النظر عن (أل) التعريف، وهذا هو الأسلوب الحديث في ترتيب مفردات معاجم اللغات الحيّة العالمية.
وقد راعينا في هذا الترتيب تسلسل حركات حروف المفردة: السكون، فالفتحة، فالضّمة، فالكسرة (حَسْبُ - حَسَبَ - حَسُبَ - حسِبَ. رَدْحٌ - رَدَحٌ - رُدْحَةٌ).
(2) وُضعت المفردةُ الفعْلُ بصيغة الماضي والمضارع والمصدر أو المصادر. أما صيغة الأمر فقد وضعناها بعد الماضي والمضارع، للأفعال الثلاثيّة المهموزة والمعتلّة والمضعَّفة، وللأفعال الرّباعية والخُماسية والسُّداسية المعتلّة عندما يكون فيها حرفٌ محذوف (أَخَذَ، خُذْ - سَأَلَ، سَلْ واسْأَلْ - جَرُؤَ، اُجْرُوءْ- وَعَدَ، عِدْ - قَالَ، قُلْ - دَعا، اُدْعُ - وَقَى، قِ - رَضِيَ، اِرْضَ - عَفَّ، عِفَّ أو اِعْفِفْ - توَقَّى، تَوَقَّ - اسْتَوْفَى، اسْتَوْفِ).
(3) أثبتنا بين قوسيْن معقوفيْن الأصلَ أو الجذر لمفرداتِ الأفعال التي طرأَ عليها إعلالٌ أو إبدالٌ من الأفعال الثلاثيّة والمَزيدة ومصادرها ومشتقاتِها من أسماء وصفات: قَالَ يَقُولُ قُلْ [قول]- نَادَى يُنَادِي نَادِ [ندو]- اسْتَشْفَى يَسْتَشْفِي اسْتَشْفِ [شفي]- الاضطرابُ [ضرب]- التُّخَمَةُ [وخم]- التَّحِيَّةُ [حيي]- المُسْتَحِيلُ [حول].
(4) أثبتنا بوجه عام جمع التكسير لمفردة الاسم. وإذا كان للمفردة جَمْعانِ، أحدُهُما قياسيُّ (جمعِ مذكَّر سالم أو مؤنَّث سالم) والآخرُ سماعيُّ (جمع تكسير) فقد أثبتناهما معًا: عَالَمٌ، عَالَمُونَ وَعَوالِمُ - الأُخْرَى الأُخْرَياتُ، الأُخَرُ.
(5) شَكَلْنا شَكْلاً تامًا حروفَ كلماتِ المَدْخَل، وآياتِ القرآنِ الكريم، والأحاديثَ النبويَّة الشريفة، والحروفَ التي تحتاج إلى شكْل من نصوصِ الشّروحِ والأمثلة، تجنبًا للَّبْسِ أو الخَطَأ في القراءة.
¥