هكذا اتّسع النشاط المعجميّ، بمختلف أشكاله، في اللغة العربية، في عصرنا الحاضر. اتّسع في مستوى فردي، بجهود علماء ولغويِّين ومتخصّصين؛ وعلى مستوى المؤسسات في الأقطار العربية، مثل مجامع اللغة، ومراكز البحوث، والهيئات العلمية، والجامعات؛ وعلى مستوى قومي، مثل المنظمات العربية المتخصّصة، والاتحادات المهنية العربية.
ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال، ما قامت وتقوم به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وأجهزتها المتخصصة وبخاصة مكتب تنسيق التعريب، إذ أصدر أربعة وثلاثين معجمًا متخصّصًا، وهي معاجم ثلاثية اللغة: العربية والإنجليزية والفرنسية، تضم حوالي نصف مليون مصطلح علمي في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية والفنون والتقانة، وهي مصطلحات يتمّ توحيدها وإقرارها في مؤتمرات التعريب الدّورية التي تدعو إليها المنظمة العربية ويشارك فيها ممثلون عن الدول الأعضاء والخبراءُ المختصون في موضوعات المعاجم.
إن اللغات تضعف بضعف أهلها، وتقوى بقوَّتهم. وقد كانت اللغة العربية، منذ قرون قليلة، هي لغة العلم في العالم آنذاك. وكان تعلّم اللغة العربية ضرورةًّ لكل مثقّفي أوروبا نفسها.
واليوم تقف اللغة العربية واحدة من ستِّ لغات عالمية معترف بها كلغة رسمية ولغة عمل في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية المتخصصة، وكذلك في منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. إضافة إلى أن معظم الجامعات العالمية المعروفة تُفرد قسمًا خاصًا للغة العربية وآدابها. وما الإقبال على تعلم اللغة العربية بين الأوروبيين والأمريكيين والآسيويين والأفريقييِن إلا دليل على أهميتها وحيويتها وعالميّتها، وما تمثّله من قيم حضارية كبيرة.
في إطار الجهد العربي الهادف إلى خدمة اللغة العربية قوميًا وعالميًا، وإلى جعلها تواكب التطور الحضاريُّ، وتعاصره، وتوطّن العلمَ والتقانة في أبعادهما الحديثة، يسعدني أن أقدِّم إلى الناطقين بالعربية، وإلى معلّميها ودارسيها في الوطن العربي وخارجه، هذا المعجمَ العربي المحيط، وأن أُشيد بالجهد المتميِّز لمؤلِّفيه، وهم من أعلام الفكر والأدب في الوطن العربي. فقد بحثوا وألّفوا ونشروا العديد من المؤلفات والدراسات، ونهضوا بمسؤوليات ثقافية وتربويَّة رفيعة في أقطارهم، وأسهموا، وما يزالون، بقدرة وخبرة كبيرتين، في أنشطة عدد من المنظمات الثقافية العربية، وفي بعض مشروعات منظمة اليونسكو، وفي العديد من اللقاءات الثقافية العالمية التي تعالج جوانب من الثقافة العربية في أصالتها وتواصلها وحوارها مع الثقافات الأخرى.
وقد عملوا، بدأب جادّ ملتزم، على وضع هذا المعجم العربيّ، وخصّوه بمزايا عديدة أضفتْ عليه خصوصية بين مثيلاته من المعاجم، منها ترتيبُ مفرداته ترتيبًا ألفبائيًا، ومنها تيسير الرجوع مباشرةً إلى الكلمة المراد معرفة معناها، ومنها احتواؤه على حوالي أربعين ألف مفردة، كل منها مشروحة بأسلوب واضح، مرفوقة باستشهاد من آيات القرآن الكريم، قمّة الفصاحة العربية، أو من الأحاديث النبوية الشريفة، ومن النماذج الرفيعة من الأدب العربي، شعرًا ونثرًا، ومن شوارد الحكم والأمثال التي تتضمن خبرة الأمة العربية وحكمتها، وقيمها العالية في الحياة؛ هذا إلى إمتاع القارئ وزيادة معارفه بالصور الملونة الرائعة التي حواها المعجم، وإلى جودة طباعته وإخراجه.
إن هذا السّفر الجليل، في أجزائه، يمثل أحدث ما اتّسعت له اللغة العربية من خبرات ومعارف في شؤون الحياة المعاصرة، وأدق ما استنبطه الباحثون في مجال تأليف المعاجم. وهو، بحقّ، إضافة قيِّمة في ميدان العمل المعجميّ العربيّ، يسدّ حاجة قائمة عند جماهير القراء من أهل اللغة، أو الناطقين بها، أومتعلميها.
وإنه من همّي هنا أن أهنّئ الزملاء من الأساتذة الأجلاء، الذين نفّذوا هذا العمل القومي العلمي البصير، على ما وُفِّقوا إليه من إنجاز فكريّ ولغويّ، تنتفع به الأجيال بعد الأجيال، وأن أهنئَ دار النشر (المحيط) لنهوضها بنشره والعناية به راجيًا لها النجاح والازدهار المستحقّيْن.
والله نسأل أن يدلّنا على الخير، ويعيننا على فعله.
القاهرة - آذار (مارس) 1993
تعريف بالمعجم وبخصائصه
بقلم المؤلفين
¥