فَأَتْحَفْتُ مَجْلِسَهُ العالِيَ بهذا الكتاب الذي سَمَا إلى السَّمَاءِ لَمَّا تَسَامى، وأنا في حَمْلِهِ إلى حَضْرَتِهِ، وإنْ دُعِيَ بالقامُوس، كحِامِلِ القَطْرِ إلى الدَّأْمَاء، والمُهْدِي إلى خُضَارَة [بحر] أقَلَّ ما يكونُ من أنْداءِ الماء. وها أنا أقولُ إن احْتَمَلَهُ مِنِّي اعْتِنَاءً، فالزَّبَدُ وإن ذَهَب جُفَاءً يَرْكَبُ غارِبَ [ظهر] البَحْرِ اعْتلاء. وما أخافُ على الفُلْكِ [السفينة] انْكِفاءً، وقد هَبَّتْ رياحُ عنايَتِه كما اشْتَهَتِ السُّفنُ رُخاء. وبِمَ أعْتَذِرُ من حَمْلِ الدُّرِّ من أرضِ الجِبالِ إلى عُمان، وأرَى البَحْرَ يَذْهَبُ ماءُ وجْهِهِ لو حَمَلَ بِرَسْمِ الخِدْمة إليه الجُمَان [اللؤلؤ]، وفُؤادُ البَحْرِ يَضْطرِبُ كاسْمِهِ رَجَّافًا لو أتْحَفَهُ بالمَرْجان، أو أنْفَذَ إلى البَحْرَيْنِ، أعْني يَدَيْهِ، الجَوَاهِرَ الثِّمان، لا زَاَلتْ حضَرُتُه التي هي جَزِيَرةُ بَحْرِ الجُود من خَالِدات الجَزَائِر، ومَقَرَّ أُنَاسٍ يُقابِلُونَ الخَرَزَ المَحْمُولَ إليها بِأنْفَسِ الجَوَاهِر * ويَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قال آمينًا *.
وكتابي هذا، بِحَمْدِ اللهِ تعالى، صَرِيحُ ألْفَي مُصَنَّفٍ من الكُتُبِ الفاخِرَة، وسَنِيحُ ألْفَي قَلَمَّسٍ [بحر] من العَيَالِمِ [البِحار] الزَّاخِرَة. واللهَ أسْألُ أن يُثيبَني به جَمِيلَ الذِّكْرِ في الدُّنْيا، وجَزيلَ الأجْرِ في الآخِرَة. ضارعًا إلى من يَنْظُرُ من عالمٍ في عَمَلي، أن يَسْتُرَ عِثَاري وزَلَلِي، ويَسُدَّ بسَدَادِ فَضْلِهِ خَلَلِي، ويُصْلِحَ ما طَغى به القَلَمُ، وزَاغ عنه البَصَرُ، وقَصَرَ عنه الفَهْمُ، وغَفَلَ عنه الخاطِرُ، فالإنْسانُ مَحَلُّ النِّسْيان، وإنَّ أوَّلَ ناسٍ أوَّلُ النَّاسِ، وعلى اللهِ تعالى التُّكْلاَنُ.
ـــــــــــــــــــــــ
سادسا كتاب / لسان العرب
التأليف
ابن منظور محمد بن مُكرَّم بن عليّ بن أحمد بن حبقة الأنصاري الإفريقي كان يُنسب إلى رُوَيْفِع بن ثابت الأنصاري، من صحابة رسول الله http://lexicons.ajeeb.com/media/GR004.GIF وهو صاحب "لسان العرب" في اللغة.
وُلِدَ ابن منظور في القاهرة، وقيل في طرابلس، في شهر المحرم سنة 630 هـ / سنة 1232 م.
ولادته
كانت حياته حياة جد وعمل موصول، كان عالمًا في الفقه مما أهَّلَه لتولي منصب القضاء في طرابلس، كما عمل فترة طويلة في ديوان الإنشاء وكان عالما في اللغة ويشهد له بذلك هذا الكتاب الفرد "سان العرب" وقد جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح والجمهرة والنهاية وحاشية الصحاح جوّده ما شاء ورتبه ترتيب الصحاح وهو كبير، وكان من أفضل علماء عصره في المعارف الكونية فهو بحق مفخرة من المفاخر الخالدة في التراث العربي، وسمع من ابن المقير ومرتضى بن حاتم وعبد الرحيم بن الطفيل ويوسف بن المخيلي وغيرهم. وعمَّر وكبر وحدَّث فأكثروا عنه، وكان مغرى باختصار كتب الأدب المطوَّلة، اختصر الأغاني والعِقد والذخيرة ونشوان المحاضرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكبار وكان لا يمل من ذلك، قال الصفدي: لا أعرف في الأدب وغيره كِتابا مطوَّلا إلا وقد اختصره، قال: وأخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمسمائة مجلدة، ويقال إن الكتب التي علقها بخطه من مختصراته خمسمائة مجلدة. وكان عنده تشيُّع بلا رفض، قال أبو حيان أنشدني لنفسه:
وقلِّبه في يديك لماما ضع كتابي إذا أتاك إلى الأرضقُبَلٌ قد وضعتهنَّ تؤَاما فعلى ختمه وفي جانبيه قال وأنشدني لنفسه: وصدقوا بالذي أدري وتدرينا الناس قد أثموا فينا بظنهم بأن نحقق ما فينا يظنونا ماذا يضرُّك في تصديق قولهمبالعفو أجمل من إثم الورى فينا حملي وحملك ذنبًا واحدًا ثقة
قال الصفدي: هو معنى مطروق للقدماء لكن زاد فيه زيادة وهي قوله ثقة بالعفو من أحسن متممات البلاغة.
وذكر ابن فضل الله أنه عَمِيَ في آخر عمره، وكان صاحب نكت ونوادر وهو القائل:
وقبلت عيدانه الخضر فاك بالله إن جزت بوادي الأراك، فإنني، والله، ما لي سواك فابعث، إلى عبدك، من بعضها،
منزلته و رحلته العلمية:
1. معجم "لسان العرب" في اللغة.
2. مختار الأغاني.
3. مختصر " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي في عشرة مجلدات.
4. مختصر " تاريخ دمشق " لابن عساكر.
¥