تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا قابلوا الإحسان بالإساءة، إذ كيف يقابل إرسال الرسول بالنفور؟ بل كيف لم يزدهم الإرسال إلا نفورا؟ إنها غاية الغرابة والخروج عن المألوف

هنا ينسحب المقام على الرسم العثمانى للكلمة أيضاً فيخرج هو الآخر عن المألوف فيقول - وقد تملكته الدهشة والإنفعال -: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ) هكذا بالتاء المفتوحة تجسيداً لهذا الموقف الشاذ الغريب، ثم يترقى ليثيب أن ما فعلوه لن يقابل إلا بما قوبل به من قبلهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) ويترقى أكثر وأكثر فيؤكد ما سبق قائلا: (ولن تجد لسنت الله تحويلا) كل ذلك بتاء مفتوحة تجسد موقفهم الغريب هذا ورد الفعل تجاهه فليفعلوا ما يفعلون (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا* وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) فاطر44، 45.

أرأيت كيف تأثر الرسم العثمانى بمعانى القران الكريم؟ وكيف أن الصحابة بأمر الرسول الذى لا ينطق عن الهوى قد وجهوا إلى كتابته بهذه الوجهة التى تحمل هذه الشحنة من المعانى، والتى لا يؤديها غير الرسم، بحيث غدت التاء المفتوحة منارة منيرة بكل معانى التعجب والإنكار والسخرية، والإستهزاء ثم القوة والعزم والغلبة النابعة من تكررها على الوجه المذكور. إنه الإيجاز المعجز، وإنه لكلام الله حقاً فسبحان من هذا كلامه، وتعالى من هيأ لكتابه هذا الوجه من الإعجاز.

وخذ شاهداً ثاثاً من الرسم العثمانى لكلمة (أيد) فى قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات: 47 هكذا بياءين، فى الوقت الذى وردت لفظة (أيد) بياء واحدة كما هو متعارف عليه فى قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص: 17.

وكتابة (أيد) بياءين نابع من المقام، فقد وردت الآية تعقيباً على صنيع الله تعالى بمن آذى رسله، ووقف فى طريق دعوة أنبيائه. إنه لا شئ سوى الإهلاك والتدمير. وما أهون ذلك على الله وكيف لا، وهو القادر الذى بنى السماء ورفعها بلا عمد نراها.

هنا ينسحب المعنى إلى الرسم العثمانى لكلمة (أيد) بياءين، فتظهر القوة والعظمة فى هذا البناء الذى بناه الله ورفعه (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون) فـ (الْأَيْدِ) بمعنى القوة من الفعل (آد يئيد) إذا قوى، وليست جمعاً لـ (يد) إلاأنها لما كانت قوة لا تدانيها قوة وعظمة لا تدانيها عظمة، فقد زيدت الياء تجسيداً لغاية هذه القوة وتمكنها وسعة السماء وبساطتها (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. وذلك أمر شائع فى العربية التى نزل بها القران الكريم وكتب بخطها. ويظهر لى كذلك - والله أعلم - أن زيادة الياء هنا للمفارقة بين قوة نبى الله داود (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) الذى كان قوياً فى عبادته، حيث كان يصوم يوماًويفطر يوماً، وكان يصلى نصف الليل، وكان يلين الحديد بإذن الله وتقويته إياه، وبين قوة الله تعالى التى لا تدانيها قوة. وذلك سر يضاف إلى ما ذكرته بشأن (الياء) فى آية الذاريات، دون آية (ص) مع ان المراد من الكلمتين القوة إذ ليس فى القرآن الكريم غيرهما، وتلك من اسرار الرسم العثمانى للمصحف الشريف.

هذا ويرى أبو العباس المراكشى: أن (أييد) فى سورة الذاريات "كتبت بياءين فرقا بين (الْأَيْدِ) الذى هو القوة وبين (الأيدى) جمع يد، ولا شك أن القوة التى بنى الله بها السماء هى أحق بالثبوت فى الوجود من الأيدى، فزيدت الياء لإختصاص اللفظة بمعنى أظهر فى دراك الملكوتى فى الوجود" ([51]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير