الناس يقتلون الشاعر ... ويأتون إليه وهو على فراش الموت ليتمنوا له الشفاء نفاقا واستهتارا ... !!!
لا يكون عمق الصدق وحس التضحية ونكران الذات عند الناس بل عند الزهور .. أما تراها تَتَمني ليَ العُمرَ!
وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
قصيدة سهلة .. لكنها عميقة.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[11 - 02 - 08, 02:40 م]ـ
10 - مقطع من سينية البحتري ..
وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطاكِيَّة
اِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ
مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ
وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ
تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحياءٍ
لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ
يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَتّى
تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ
1 - موضوع في غاية الطرافة والإبداع ...
صحيح إن وصف المعارك غرض مأثور عتيق، لكن المعركة التي ينقلها الشاعر البحتري هنا معركة متميزة جدا ف"ساحة" الوغى ليست ساحة بل هي جدار!
2 - توظيف هذا المقطع الحماسي في السينية باهر ومفاجيء:
فالشاعر يصف إيوان كسرى المتهدم المهجور ثم يقف أمام جدارية تمثل معركة انطاكية فينقل البحتري تفاصيلها مدمجا بذلك الحماسة في الطللية!!
3 - هي صورة عن صورة،ووصف لوصف،وقصيدة عن لوحة ..
4 - هل كان البحتري يتذوق فن التصوير؟
هذا المقطع يشهد على خبرة عين البحتري وتمرسها في التذوق الفني:
-عين الشاعر ابتدأت بالإحاطة باللوحة كلها في موضوعها العام:
"وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطاكِيَّة
اِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ"
ثم حدد الإحساس النفسي الذي تثيره اللوحة في مجملها .. وهو الاحساس بالعنف والموت:
"وَالمَنايا مَواثِلٌ .. "
-ثم تتجول العين بين تفاصيل اللوحة في خطة جمالية جديرة بكبار النقاد:
فهي تقف عند أبرز موضوع في اللوحة وهو صورة كسرى .. وتلتقطها عين البحتري في حركة نازلة مقسمة هذا الجزء من الصورة إلى ثلاثة أقسام:
الدرفس في الأعلى
الفرس في الأسفل
وأنو شروان في الوسط ..
وتلتقط العين معها التباين اللوني:
الأخضر في ثياب كسرى والأصفر في الفرس ..
" ................ وَأَنوشَروان
يُزجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى
أَصفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ"
-بعد هذه الجولة العمودية لعين البحتري تشرع في جولة أفقية:
لقد تتبعت شخص كسرى من أعلى إلى أسفل .. وحان الوقت لاستكشاف اللوحة أفقيا من خلال تتبع الجنود:
"وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ"
(أفضل أن تكون كلمة الرجال من الترجل لا من الرجولة .. لأن الرسام يريد إظهار كسرى فهو وحده الفارس وغيره الراجلون)
اللوحة في هذا القسم مبنية على الثنائية الحادة:
فجند كسرى في مقابل جند الروم،
المشيح/المليح،
المهاجم/المدافع،
الرمح/الترس .. ،
"مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ
وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ"
بعد استظهار اللوحة كلها تعود العين إلى ذاتها ... فننتقل من الصورة إلى الإحساس بالصورة:
"تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحياءٍ
لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ
يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَتّى
تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ"
الصورة واضحة للعين حتى تكاد تكون حقيقة "ملموسة" .... ويشك الشاعر في بصره حتى إنه ليستعين بلمسه ..
ونحن بدورنا نشك:
من الرسام الحقيقي .. الرسام المجهول الذي رسم المعركة لكسرى في قصره أم البحترى الذي نقل ذلك الرسم وخلده!
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[23 - 02 - 08, 11:44 م]ـ
11 - حكمة لم يقل مثلها شاعر ..
أَلاَ أَيُّهاذا اللائِمي أَشهَدُ الوَغَى
وَأَنْ أَنْهَل اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
فإنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيْعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي
فَدَعْنِي أُبَادِرهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي
كم هي دامغة حجة هذا الشاب الجاهلي!
دع عنك الباطل الذي يدافع عنه من الشرب والحرب والحب .. ولكن تأمل منهج الاحتجاج!
واستفد منه للدفاع عن الحق الذي تعتنقه!
هذا اللائم يريد أن تتخلى عن نهجك .. ولعله يقترح عليك نهجا آخر ومذهبا ثانيا ..
يقول طرفة بن العبد:
لو اتبعتك أتضمن لي الخلود على هذه الأرض ... ؟
-لا ..
لو عشت على فلسفتك أتدفع عني الموت؟
-لا ..
إذن:
فَدَعْنِي أُبَادِرهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي ...
حكمة قصيرة لكنها تهدم كل الفلسفات وكل النظريات ..
كلمة صغيرة لكنها تدفع عنك كل المضلين وتردهم خاسئين ...
موتي حتمي ... لا تستطيعون دفعه عني .. فدعوني أواجهه حسب مذهبي.
حكمة كماء الصخرة ...
صفاء وشدة ..
ـ[محمد الشمالي]ــــــــ[02 - 01 - 09, 12:35 م]ـ
نرفع لننهل الخير العميم.