ثالثا: إن القصة المذكورة، لم ترد في مصدر موثوق، من مصادرنا التراثية، وقد بحثت عنها في المكتبة التراثية، بحثا دقيقا مستقصيا، وما تركت منها الشارد والوارد، ولا الصغير ولا الكبير، وبعد طول البحث والجهد لم أجدها إلا في كتاب واحد، وهو:
إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس، لمحمد دياب الإتليدي (توفي بعد 1100هـ) وهو رجل مجهول، لم يزد من ترجموا له على ذكر وفاته، وأنه من القصّاص، وليس له سوى هذا الكتاب.
ثم تداولت الكتب الحديثة، وخاصة النصرانية هذه القصة، للتندر والطرائف، وأخذتها المنتديات عنها أخذاً أعمى، بلا تبصر ولا روية.
رابعا: وأما الإتليدي (؟ - بعد 1100 هـ،؟ - بعد 1689 م):
فهو محمد دياب الإتليدي:
قصاص، من إقليم منية الخصيب بمصر، له كتاب:
(إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس).
ومثل هذا الكتاب مثل كتب جمع الطرف والأشياء الظريفة، ولكنه كله كتابات، ليس فيها من صحة التاريخ شيء، سوى شيئا واحدا، وهو أسماء الشخصيات التاريخية فحسب.
خامساً: إنّ هذه القصة السقيمة والنظم الركيك كذب في كذب، وهي من صنيع قاصّ جاهل بالتاريخ والأدب، كما تلاحظون في ترجمته، لم يجد ما يملأ به فراغه سوى هذا الافتعال الواهن.
سادساً: انظروا إلى الوضع الواضح فيها:
(قال الراوي: وكان الأصمعي من جلسائه وندمائه، فعرف حيلة الخليفة، فعمد إلى نظم أبيات صعبة، ثم دخل على الخليفة وقد غيّر هيئته في صفة أعرابي غريب ملثّم لم يبِنْ منه سوى عينيه (!!) فأنشده ...... )، فكلها هذر سقيم، وعبث تافه معنى ومبنى.
سابعا: ومن الثابت تاريخيا أن صلة الأصمعي كانت بهارون الرشيد لا بأبي جعفر المنصور، الذي توفي قبل أن ينبغ الأصمعي، ويُتّخذه نديماً وجليساً، ثم إن المنصور كان يلقّب بالدوانيقي، لشدة حرصه على أموال الدولة، وهذا مخالف لما جاء في القصة، ثم إن كان المنصور على هذا القدر العجيب من العبقريّة في الحفظ، فكيف أهمل المؤرخون والمترجمون الإشارة إليها!!؟؟
أضف إلى ذلك أن هذا النظم الركيك أبعد ما يكون عن الأصمعي وجلالة قدره، وقد نسب له شيء كثير، لكثرة رواياته، وقد يحتاج بعض ما نُسب إليه إلى تأنٍّ في الكشف والتمحيص قبل أن يُقضى بردّه، غير أن هذه القصة بخاصة تحمل بنفسها تُهَم وضعها، وكذلك النظم، وليس هذا بخاف عن اللبيب، بل عمّن يملك أدنى مقوّمات التفكير الحرّ.
وبعد: فإنه يصدق على هذه القصّة قول أستاذنا العلامة عمر فرّوخ - رحمه الله-:
إن مثل هذا الهذر السقيم لا يجوز أن يُروى، ومن العقوق للأدب وللعلم وللفضيلة أن تؤلف الكتب لتذكر أمثال هذا النظم.
ثامنا: وكل مهتم بالشعر، ودارس لأدق دقائقه، فإنه يكتشف أن القصيدة هذه كتبها الكاتب الملفق بطريقة مختلقة جدا، بيّن فيها الاختلاق والكذب عروضيا، فهو طبعا ملفق، ولكن ملفق يفهم طبيعة التاريخ، وطبيعة الرجل الذي يريد أن يلفق له هذه التفاهات، قام بكتابة ما كتبه على بحر شعري عربي قديم يسمى الرجز، والمشهور عن الأصمعي - رحمه الله- أنه كان من المهتمين بجمع الأراجيز العربية القديمة؛ لأنه كان لغويا عظيما، والأراجيز التي كتبها العرب كانت هي مجمع اللغة، ومستقى كل لغوي، ولكنه كان جاهلا بهذا البحر، وسقط في أشياء، لا يقع فيها أبسط دارس لعلم العروض العربي، أبيات لا يستقيم فيها الوزن العروضي، وهي على الشكل التالي، كنموذج للدرس العروضي، وتبيين سقم الأبيات، وسوء فهمها:
والبيت الأول في هذه الثلاثة لا يستقيم عروضيا، ولا علاج له.
والاثنان الأخريان موزونان على مجزوء الكامل، وهو بحر مقارب للرجز.
وعلى كل حال هذه الأبيات يبين من ركاكتها و لغتها العامية العصر الذي كتبت فيه.
تاسعا: القصيدة المذكورة هنا ركيكة جدا، تدل لغتها على أنها كتبت في العصر العثماني، وهو عصر الإتليدي، الآنف الذكر، وعصر تأليف كتب التجميع للنقول، والمعتاد على قراءة كتب هذا العصر، سيجد اللغة تكاد تكون واحدة.
عاشراً: ورود الكثير من الكلمات، التي لا تكاد تمت إلى العربية بأي صلة، و لو بحثتم في أي قاموس أو معجم، جامع للغة العربية، مثل:
لسان العرب لابن منظور الإفريقي، أو الكتاب الموسوعي الجامع المانع تاج العروس، للشيخ مرتضى الزبيدي، لما وجدتم أثرا لمثل هذه الكلمات، بالرغم من أن كلا الكتابين، هما أجمع كتب اللغة، ولا تكاد لفظة عربية لم ترد فيهما.
عادل:)
ـ[يوسف الخولاني]ــــــــ[22 - 12 - 07, 08:31 ص]ـ
نعم
فعلا قصيدة سمجة
تنتشر أيضا فى حفلات المدارس
حيث يتدرب على إلقائها
نوابغ الطلاب
و تلقى فى الحفلات
ويصفق الحضور
مع أن أحدا منهم لا يفهم شيئا
صدقت ياأخي؛ تصفيق وإعجاب وهم لايعلمون ماذا يُقال
ـ[يوسف الخولاني]ــــــــ[22 - 12 - 07, 08:33 ص]ـ
هل من مزيد؟
وهل بعد كل هذه الدلائل تطلب المزيد؟؟!!
¥