تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن تعدد معاني الصيغة مهما كثرت معانيها انما هو في نطاق معنى واحد لا غير من معاني المادة,, وتعدد معاني الصيغة ليس تعدداً لمعنى المادة، وإنما هو تعدد لأحوال المعنى الواحد وعلاقته بغيره، فالفعيل مبالغة في الفاعل، والمفاعلة لتتابع الحدث من طرف واحد مثل سافر، ولتتابع الحدث من طرفين فأكثر مثل ساير، وفعل للحدث الماضي، وافعل للحدث المراد إيقاعه، والفاعلون لبيان أن القائمين بالحدث عدة أفراد، والفاعلة لتأنيث المؤدية للحدث,, فإذا كانت المادة قام فهي على معناها في كل هذه الصيغ لا تنصرف باختلاف الصيغ إلى معان أخر,, إنما الذي تعدد بتنوع الصيغ أحوالٌ لمعنى المادة من سهولة وتكلف، وزمان ومكان، وكثرة وقلة,, كما تعددت أحوالٌ لذي علاقة بالمعنى من الفاعل والمفعول به,, إلخ,

والدكتور وصفني بقصور الفهم؛ لأن هذا البيان الجلي المشرف عن معنى المادة ومعاني الصيغ هو لازم ونتيجة تأصيلي!! ,

ووصف نفسه بكمال الفهم - من لازم الصفة المضادة التي أسبغها علي اسبغ الله عليه نعمة التعلم قبل التكلم -؛ لأن لازم كلامه ونتيجته أن تعدد معاني الصيغة يجعل معنى المادة متعدداً,, وذلك طلب لمحال لا يوجد شاهده ألبتة!! ,, وعلى هذا تكون صيغة تنحى تجعل المادة بمعنى تكلف علم النحو,

وأسبغ علي مرة أخرى وصف الإغراب فقال: من غرائب الشيخ ,, يعني منعي دلالة تنحى على التعمق في علم النحو، أو تكلفه ادعاء,, ونقيض هذا الحكم أن يكون الدكتور مع المشهور غير الغريب!! ,, ولا أطيل معه الجدل، بل أقول له: أحلني إلى أي معجم لغوي، أو قولة عالم معتبر، أو قولة طويلب علم لم يتبين بعد اعتباره,, أحلني إلى أي واحد من هؤلاء قال: إن تنحى بمعنى تعمق في علم النحو، أو تكلف التظاهر به؟! ,, فإن لم يفعل فهو المغرب بالخطأ حقاً، ويبقى مع الصواب المشهور من قال: تنحى بمعنى اتجه ناحية، أو ابتعد، ولا تدل على علم النحو ألبتة,, وذلك هو الظاهري لا الصاعدي!! ,

إنني أدعو الدكتور الصاعدي إذا تمادى في المراء والحمية لغلطاته الصلع أن يشفق على نفسه، فيطرح ما خطر على باله من أوهام، ووساوس، وظنون مرسلة بصيغة سؤال المسترشد لا بإملاء المتمعلم، ولا يتطاول بالتخطئة، وتزكية النفس، ووصف المحققين بقصر النظر؛ فطريق الشهرة أكرم من ذلك,, وكم من طالب علم لغير وجه الله، فتحول علمه بالرياضة إلى طلب العلم لوجه الله,, وردت هذه الكلمة صراحة بقلم أبي حامد الغزالي، وقد مرت عليَّ لعالم أسبق منه زمناً,, وتلك الشذرة من شذرات لفتها سحائب النسيان!

وثانيها: نعم - ومليون نعم - أنكر أن يكون فعل تنحى دالاً على التعمق في النحو، أو تكلف التمعلم فيه,, بل هي بمعنى ابتعد، أو أخذ بناحية,

وثالثها: لو كان قصدي مجرد الغلبة، وأن أخطف الصاعدي من أول طريق لقلت له منذ البدء: تنحى لا علاقة لها ألبتة بنحا؛ لأن نحا من الواوي، وتنحى من اليائي، فهما مادتان,, ولو فعلت لأسكته إلى الأبد؛ لأن أهل المعاجم مجمعون على الفصل بين معاني الواوي واليائي، ومجمعون على أن علم النحو من الواوي، وأن تنحى من اليائي، فلا وجه ألبتة لاستعمال المتنحي بمعنى المتعمق في النحو؛ لاختلاف المادتين,, ولن يبق للصاعدي كلام بعد هذا الإجماع,

قال أبو عبد الرحمن: إلا أنني صاحب نظر، وتأصيل، وتدقيق فكري لا أحجر على من تكلم ببرهان، وإن خالف المتوارث,

والذي أحققه أن الواوي واليائي يجمعهما معنى اشتقاقي واحد كما سيأتي بيان ذلك,, ومع وجود المعنى الاشتقاقي الواحد فإن النحو مأخوذ من المعنى الفرعي المتعلق بالواوي، وليس مأخوذاً من الفرع الثاني المتعلق باليائي الذي منه المتنحي,, إذن الصاعدي محجوج بكل تقدير,

ورابعها: أن العرب لا يعرفون قواعد النحو، وانما يتكلمون سليقة، ولم يصطلحوا بالنحو اسماً لهذا العلم المستجد عندهم,, وإنما نسب الأزهري إلى اليونان - لا إلى العرب - أنهم يسمون علم الألفاظ والعناية بالبحث عنه نحواً,

قال أبو عبد الرحمن: هذه المواضعة عند اليونان، وليست هذه المواضعة على كلمة نحو بحروفها المعروفة لدينا، وإنما اللفظ عندهم الدال على علم النحو ترجم الى كلمة النحو الدالة على نفس العلم الذي عندهم, فالذي عند اليونان علم النحو,, كانوا فيه اقدم من العرب,, وليس الذي عندهم كلمة نحو بل الذي عندهم رطانة ترجمت الى النحو بعد ان كان مصطلحاً عند العرب على هذا العلم؛ ولهذا قال الأزهري: فيما يذكر المترجمون العارفون بلسانهم ,

واذن فالعرب - قبل وجود هذا العلم عندهم - إنما يعبرون بمادتي الواوي واليائي للقصد والابتعاد,, والنحو مصدر لم يتخصص بتسمية؛ فلما تخصص باسم لشيء معين كان ذلك المعين معنى آخر غير الابتعاد والقصد والاتجاه,, إنه قواعد، ومسائل، وامثلة، وفصول، وأبواب لا تدل على فعله صيغ ما قبل الاشتقاق، فاحتيج أن ينحت من اسمه فعل يعبر عن المراد,

والعلماء يقولون: النحويون - نسبة إلى النحو - ,, ولا يقولون: المتنحون,

وخامسها: أنه جاء بأبدة ثانية أنست ما قبلها، فقال: القياس أن يقال من النحو: تنحى؟!! ,

قال أبو عبد الرحمن: يا أخي,, يا أخي: أي قياس في صرف نحا الواوي إلى تنحى اليائي؟! ,, وأيضاً: فالنحو في الاشتقاق قصد إلى هذا العلم,, والتنحي ابتعاد، فكيف يوصف المتعمق في النحو بالابتعاد عنه؟ ,, وأيضاً: فالنحو مشتق من الواوي بإجماع,,

وأيضاً: فلم يؤثر عن عامي أو فصيح استعمال المتنحي بمعنى صاحب النحو,, بل وفق الله العوام، وطلبة العلم في منطقتنا الوسطى إلى استعمال التنحوي بمعنى احتراف النحو نطقاً بسليقة في النحت كالتفلسف من الفلسفة مع أن المادة ليست من لغة العرب، ولا من تعريبها، بل من نقلها للفظ الأجنبي برمته، وتحويله إلى صيغها,, وإلى مناسبة أخرى، والله المستعان


قالوا تحفظ فإن الناس قدكثرت* أقوالهم وأقاويل العداء محن
هل عيبهم لى غير أن لا * أقول بالرأى إذ فى رأيهم فتن
وأننى مولعٌ بالنص لست إلى*سواه أنحو ولا فى نصره أهن
لا أنثنى نحو آراء يقال بها * فى الدين بل حسبي القرآن والسنن
يا برد ذا القول فى قلبي وفى كبدي*ويا سرورى به لو أنهم فطنوا
دعهم يعضوا على صم الحصى كمداً * من مات من قوله عندى له كفن
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير