تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وإن كانت حيّةً في النفوس، ممثَّلةً في الأفكار».

لقد قطّع الكاتب الكلام تقطيعاً يشبه تنغيم مفاتيح الموسيقى؛ فلم يوضَعْ لفظٌ من المنسوجِ به خارج النّظام الأسلوبيّ المحكم؛ بل كلّ لفظة وُضِعت متماثلةً مع صِنوتها، ومتقابلةً مع مثيلاتها. وإذا كنّا فكّكْنا الكلام في هذه الفقرة المطروحة للتحليل إلى خمسِ نسائج14، فلأنّنا أقمناه على التقطيعات الداخليّة والخارجيّة لنسج النّص، ولأنّنا جئناهُ من باب تيسير تمثّل النّسْج الأسلوبيّ في هذا الكلام. خذ لذلك مثلاً النسيجة الأولى، تجدْها قائمةً على سِتِّ سماتٍ لفظيّة تتقابل فيما بينها لتكوّن التشاكل، أو التّآلف، الإيقاعيّ الداخليّ والخارجيّ معاً. فأمّا الإيقاع الخارجيّ فواضحٌ، وهو ما يُطلَقُ عليه في البلاغة العربيّة، ظُلْماً، «السجع»، وهو الماثل في قوله على سبيل التتالي والتماثل: «التّغيّب»؛ «التسلُّب». في حين أنّ الذي يعنينا في تحليل هذا النسْج الإيقاع الدّاخليّ؛ فهو الذي يحقّق جماليّة النسج الأسلوبيّ، أكثر من الإيقاع الخارجيّ، فإذا القارئ، أو المتلقّي، لا يدري أهو يستمتع بالموسيقى الخارجيّة للنسج، أم بالموسيقى الداخليّة له؟ والسّماتُ اللّفظيّةُ السِّتُّ التي تكوّن النسيجة الأولى من الوجهتين النّسجيّة، والإيقاعيّة معاً -كما يبيّن ذلك الجدولُ البيانيّ الآتي- هي:

التغيّب

بعد

الإشراق

إلى

الشمس

تعود

التّسلّب

بعد

الإيراق

إلى

الشجرة

تعود

ويُفضي بنا هذا التفكيك المجدْوَلُ إلى استخلاص ثلاثِ سماتٍ لفظيّة فقط، من أصل سِتٍّ، لأنّها تتكرّر بنفسها، فتتشاكل مُؤْتَلِفة، وهي:

تعود+ تعود؛ إلى+ إلى؛ بعد+ بعد.

في حين أنّ السّماتِ اللّفظيّةَ التي تكوّن النّظام الدّلاليّ بحكم اختلافها، في هذه النسيجة، يبلغ عَدَدُها سِتّاً، ولكنّها تختلف فيما بينها فتتقابل فتظلّ قائمة بنفسها، وهي:

الشمس، مقابل الشجرة؛

والإشراق، مقابل الإيراق؛

والتغيّب، مقابل التّسلّب.

وتمثّل الشمس القيمة الباقية، أو القائمة الوجود، ولو اختفت بفعل اللّيل إذا كَفَرَها، أو بفعْل السَّحاب إذا غَشِيَها، والإشراق هو الذي يُعيد إظهار هذه القيمة، وإبراز نفْعها؛ في حين أنّ الشجرة، بالمقابل، تظلّ هي القيمة الحيّة التي تقابل الشمس، والإيراق هو الذي يعيد إظهار نفْعها وجمالها. وأمّا سمتا «التّغيّب» و «التّسلّب»، فهما معْنَيَان غيرُ نافعيْنِ، وإنّما الذي يُفضي إلى دفْع أذاهما هو الإشراق في حال، والإيراق في حال أخرى.

ونلاحظ أنّ السّمات اللّفظيّة يتشاكل بعضُها، ويتباين بعضها الآخرُ. غير أنّ التشاكل بأنواعه المختلفة، لدى نهاية الأمر، هو الذي يتحكّم في نسْج هذا الكلام: فمِن تشاكُلٍ ينهض على تَكرار الألفاظ نفسِها، كما مَثُلَ ذلك من خلال تفكيكنا للّغة المنسوجةِ بها اللّوحةُ الكلاميّة، إلى تشاكُل معنويّ، وإيقاعيّ ... فمن حيثُ التشاكلُ المعنويُّ نجد معنى الإشراق يلائم الشمس فيتشاكل معه على سبيل التلاؤم والتلازم، في حينِ نجدُ معنى الإيراق يتشاكل مع الشجرة فيكوّنانِ زوْجاً متشاكلاً. كذلك معنَيَا الشمس والشجرة، فهما يُحِيلانِ على الضياء والإشراق. والشجرة لا تكون شجرةً إلاّ بفضل توافُر الرطوبة والحرارة أيضاً، لها، فمعناها مُلازم، من بعض الوجوه لمعنى الشمس. وهناك تشاكُلٌ آخرُ يكمُن في الدّالّيّة لا في المدلوليّة، وهو الإيقاع الجامع بين الإشراق من وجهة، والإيراق من وجهة أخرى. وأمّا سمتا التسلّب والتّغيّب فإنّهما يتشاكلان بحكم دلالة كلٍّ منهما على معنى السقوط والغياب والتّخفّي. وببعض رصْد هذه العلاقات السيمَائيّة نجد التشاكل يتغلّب على التباين في تدبير هذه النسيجة.

ولو جئنا نحلّل هذه السّماتِ في عَلاقاتها الانتشاريّة والانحصاريّة لزاد الكلام اتّساعاً، بحيث إنّ معنى الشمس يغتدي منتشراً، مثله مثل الإشراق الذي يعني انتشار الضياء، فيتشاكل اللّفظان على سبيل الانتشار المعنويّ في تمثّل الدّلالة، أي إنّ تشاكلهما يغتدي مركّبَ العلاقة، بعد الذي كنّا رأينا من تشاكُلهما بحكم التلازم والتلاؤم. في حينَ أنّ الشجرة ذاتُ معنىً انتشاريّ بحكم امتداد أغصانها في الفضاء، وانتشارِ فروعها في الهواء. وأمّا الإيراقُ فهو حالةٌ تبتدئ صغيرة قليلة ثمّ تنتهي كبيرة كثيرة، بفضلها ينتشر الظّلّ في الأرض، وتنتشر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير