فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان وكان يكنى أبا الحَوْفَزَان وكان صاحب الردافة وهو واقف بجنب النعمان فقال له:
يا شريكا يا ابن عمرو ... هل من الموت مَحَالة
يا أخا كل مُضَافٍ ... يا أخا مَنْ لا أخا له
يا أخا النعمان فُكَّ ... اليوم ضَيْفاً قد أتى له
طالما عالج كرب ... الموت لا ينعم باله
فأبى شريك أن يتكفل به فوثب إليه رجل من كلب يقال له قُرَاد بن أجْدَع فقال للنعمان: أبيت اللَّعْن هو عليّ قال النعمان: أفعلت؟ قال: نعم فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة فمضى الطائيّ إلى أهله وجَعَلَ الأجَلَ حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد:
ما أراك إلا هالكاً غَداً فقال قُرَاد:
فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلىّ ... فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ
فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما وأخرج معه قُرَادا وأمر بقتله فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه فتركه وكان النعمان يشتهي أن يقتل قُرَادا ليُفْلَتَ الطائي من القتل فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النِّطَع والسيافُ إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول:
أيا عَيْنُ بكى لي قُرَاد بن أجْدَعَا ... رَهينا لقَتْلٍ لا رهينا مُوَدّعا
أتته المنايا بَغْتةً دون قومه ... فأمسى أسيراً حاضر البَيْتِ أضْرَعَا
فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد وقد أمر النعمان بقتل قراد فقيل له: ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ فإذا هو الطائي فلما نظر إليه النعمان شَقَّ عليه مجيئه فقال له: ما حملك على الرجوع بعدَ إفلاتك من القتل؟ قال: الوفاء قال: وما دَعَاك إلى الوفاء؟ قال: دِينِي قال النعمان: فاعْرِضْهَا عليّ فعرضها عليه فتنصر النعمان وأهلُ الحِيرة أجمعون وكان قبل ذلك على دين العرب فترك القتلَ منذ ذلك اليوم وأبطل تلك السُّنَّة وأمر بهدم الغَرِيّيْن وعفا عن قُرَاد والطائي وقال: والله ما أدري أيها أوفى وأكرم أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه؟ والله لا أكون ألأمَ الثلاثة فأنشد الطائيّ يقول:
ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الذي ... أسْدَى إلىّ من الفَعَال الخالي
ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضَلاَلتي ... فأبَيْتُ غيرَ تمجُّدِي وفعالي
إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَجِية ... وجزاء كل مكارم بَذَّالِ
وقال أيضاً يمدح قُرَادا:
ألا إنما يسمو إلى المجد والعُلا ... مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بْنِ أجْدَعَا
مخاريقُ أمثال القراد وأهله ... فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تبعا
ـ[أبو عبد الرحمن بن حسين]ــــــــ[29 - 12 - 08, 06:05 م]ـ
قال الميداني في المجمع:
أنْفُكَ مِنْكَ وَإِنْ كانَ أذَنَّ
الذنِين: ما يسيل من الأنف من المُخَاط وقد ذَنّ الرجلُ يَذِنُّ ذَنِيناُ فهو أذَنٌّ والمرأة ذَنَّاء
وهذا المثل مثلُ قولهم: أَنْفُكَ منك وإن كان أجْدَعَ
إِنْ تَسْلَمِ الْجِلَّةُ فَالنَّيبُ هَدَر
الجِلَّة: جمع جَليل يعني العظامَ من الإبل. والنِّيب: جمع نَابٍ وهي الناقة المسنَّة يعني إذا سلم ما يُنتفع به هان مالا ينتفع به
أخَذَهُ بِرُمَّتِهِ
أي بجُمْلته الرُّمَّة: قطعة من الحبل بالية والجمع رُمَم ورِمَام
وأصل المثل أن رجلا دَفَع إلى رجل بعيرا بحَبْل في عنقه فقيل لكل مَنْ دفع شيئا بجملته: دفَعه إليه برُمّته وأخذه منه برمته والأصل ما ذكرنا
ـ[أبو عبد الرحمن بن حسين]ــــــــ[01 - 01 - 09, 01:23 ص]ـ
قال الميداني:
- إنَّهُ نَسِيجُ وَحْدِهِ
وذلك أن الثوب النفيس لا يُنْسَج على مِنْواله عدةُ أثوابٍ قال ابن الأعرابي: معنى " نَسِيجَ وَحْدِهِ " أنه واحد في معناه ليس له فيه ثان كأنه ثوب نُسج على حِدَته لم ينسج معه غيره وكما يقال نسيج وحده يقال " رَجُلُ وَحْدِهِ " ويروى عن عائشة أنها ذكرت عمر رضي الله عنهما فقالت: كان والله أحْوَذِيّاً ويروى بالزاء نَسِيجَ وَحْدِهِ قد أعدّ للأمور أقرانها قال الراجز:
جاءت به مُعْتَجِراً بِبُرْدِهِ ... سَفْوَاء تردى بنَسِيجِ وَحْدِهِ
- إنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنْ أيْنَ تُؤْكَلُ الكَتِفُ
ويروى " من حيث تؤكل الكتف " يضرب للرجل الداهي
قال بعضهم: تؤكل الكتف من أسفلها ومن أعلى يشق عليك ويقولون: تجرى المَرَقَة بين لحم الكتف والعظم فإذا أخذتها من أعلى جَرَت عليك المرقة وانصبَّتْ وإذا أخذتها من أسفلها انْقَشَرَتْ عن عظمها وبقيت المرقة مكَانَها ثابِتَةً
ـ[أبو عبد الرحمن بن حسين]ــــــــ[05 - 01 - 09, 02:40 ص]ـ
إنَّ أخِي كانَ مَلِكي
قال الميداني:
قال أبو عمرو: إن أبا حَنَش التغلبي لما أدْرَكَ شَرَحْبيل عمّ امرئ القيس وكان شَرَحْبيل قتل أخا أبي حَنَش قال: يا أبا حَنَش اللَّبَن اللَّبَن أي خُذْ مني الديَةَ فقال له أبو حنش: هَرَقْتَ لبناً كثيراً أي قتلت أخي فقال له شرحبيل: أمَلِكاً بسُوقة؟ أي أتقتلُ ملكا بدل سوقة فقال أبو حنش: إن أخي كان مَلِكِي.
¥