تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى: (يُنْظَرُفي الجناية التي ذهب بها العقل، فإنْ لم يكن لها أرش بأنْ ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل، وإن كان لها أرش مُقدَّر كالموضحة واليد والرجل، أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان: القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر، فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل، والجديد: الأظهر لا تداخل، بل يجب دية العقل وأرش الجناية) (49).

وقال المرغيناني (50) الحنفي رحمه الله تعالى: (ومَنْ شجَّ رجلاً فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية، لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) (51).

المبحث الثالث: تفاوت العقل

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: أقوال الأصوليين في ذلك

اختلف الأصوليون في تفاوت العقول من شخص لآخر على قولين:

القول الأول: العقل يتفاوت من شخص لآخر.

وممن ذهب إلى هذا القول من الأصوليين: القاضي أبو يعلى (52)، وأبو الخطاب (53)، والفتوحي (54)، والبزدوي (55)، ومحمد بن نظام الدين الأنصاري (56) (57).

القول الثاني:

العقل لا يتفاوت، بل هو شيء واحد في جميع الناس لا يزيد ولا ينقص. وإلى هذا القول ذهب الأشاعرة والمعتزلة وابن عقيل الحنبلي (58).

المطلب الثاني: الأدلة والمناقشات

أولاً: أدلة القول الأول:

استدل القائلون بأن العقل متفاوت بالأدلة الآتية:

الدليل الأول:

ما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَضْحىَ أو فِطْرٍ إلى المُصّلَى فمرَّ على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدَّقْن فإني أُريتكنَّ أكثر أهل النار)، فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عَقل ودين أَذْهَبَ للب الرجل الحازم من إحداكن)، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة

الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عَقْلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلَّ ولم تَصُم؟) قلن: بلى قال: (فذلك من نقصان دينها) (59).

وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل على نقصان عقل النساء عن عقول الرجال مع وصفْهِنَّ بالعقل، ولو كان العقل شيئاً واحداً لا يتفاوت لما استقام ذلك.

الدليل الثاني:

قالوا: إن الإجماع منعقد على أن العقل متفاوت، وذلك لأن كل الناس يقولون: عَقْلُ فلان قليل، وعقل فلان أكثر من عقل فلان، وفلان غير عاقل.

الدليل الثالث:

قالوا: إن العقل منحة إلهية تفضلَّ الله تبارك وتعالى بها على عباده، وفَضْلُ الله تعالى يتفاوت بحسب قابلية المحل واستعداده، فيزيد عند بعض الناس، وينقص عند البعض الآخر.

ولو كان العقل على حالة واحدة لما كان كذلك (60).

ثانياً: أدلة القول الثاني:

استدل القائلون بأن العقل لا يتفاوت بدليلين:

الدليل الأول:

أن العقل من العلوم الضرورية، وتلك لا تختلف في حق عاقل، بل العقلاء في ذلك متساوون.

الدليل الثاني:

أنه لو كان أحد الناس أكمل عقلاً من الآخر لم يحصل لغير الكامل الغرض، وهو تأملَّ الأشياء ومعرفتها لأجل النقصان الذي حصل فيه (61).

ثالثاً: المناقشات:

أ - نوقش القائلون بعدم تفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي:

أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول: بأن تلك العلوم الضرورية لم يختلف ما يُدرك بها من النظر والشم والذوق، فلهذا لم تختلف هي في أنفسها، وليس كذلك العقل لأنه يختلف ما يُدرك به وهو التمييز والفكر، فيقلُّ في حق بعضهم ويكثر في حق البعض الآخر، ولذلك اختلف وتفاوت.

ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني: بأنه إنما لم يحصل له الغرض الكامل لأنا نجد أنّ مَنْ لم يكمل عقله لا تكمل أحواله ولا يبلغ جميع أغراضه، ومَنْ كمل عقله بلغ أكثر أغراضه وأكمل أكثر أحواله (62).

ب- ونوقش القائلون بتفاوت العقول فيما استدلوا به على ذلك بما يلي:

أولاً: نوقشوا في دليلهم الأول من وجهين:

الوجه الأول: أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض وهذا لا يُعْتَدُّ به، وإذا كان غير معتد به فالرجال والنساء في العقل سواء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير