تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أن استحقاق المدح والذم بمعنى الثواب والعقاب مَدْرَكُُ عقلي):

وفي ذلك يقول المظفر الشيعي: (ومعنى استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب، ومعنى استحقاق الذم ليس إلا استحقاق العقاب، لأنهما شيئان أحدهما يستلزم الآخر، لأن حقيقة المدح والمقصود منه هو المجازاة بالخير لا المدح باللسان، وحقيقة الذم والمقصود منه هو المجازاة بالشر لا الذم باللسان. وهذا المعنى هو الذي يحكم به العقل) (95).

المطلب الثاني: دراسة موقف الشيعة من العقل

إن ما قرره الشيعة في السمة الأولى التي تقصر ثبوت الشريعة والتوحيد والنبوة على العقل فقط تقرير مجمل يحتاج إلى تفصيل حتى يحسن الحكم عليه.

فإن قصدوا بذلك أن العقل قد استقل وحده بالإثبات بمعزل عن دلالة الشرع وهدايته فهذا باطل بلا شك.

وإن قصدوا به أن العقل طريق لإثبات ذلك بدلالة الشرع وهدايته فذاك حق لا جدال فيه، وهذا ما ترجمه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: (واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مثل الإقرار بوجود الخالق وبوحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته وعظمته، والإقرار بالثواب، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يعلم بالعقل وقد دل الشارع على أدلته العقلية، وهذه الأصول التي يسميها أهل الكلام العقليات وهي ما تعلم بالشرع، لا أعني بمجرد إخباره فإن ذلك لا يفيد العلم إلا بعد العلم بصدق المخبر، فالعلم بها من هذا الوجه موقوف على ما يعلم بالعقل من الإقرار بالربوبية وبالرسالة، وإنما أعني بدلالته وهدايته، كما أن ما يتعلمه المتعلمون ببيان المعلمين وتصنيف المصنفين إنما هو لما بينوه للعقول من الأدلة، فهذا موضع يجب التفطن له، فإن كثيراً من الغالطين من متكلم ومحدث ومتفقه وعامي وغيرهم يظن أن العلم المستفاد من الشرع إنما هو لمجرد إخباره تصديقاً له فقط، وليس كذلك، بل يستفاد منه بالدلالة والتنبيه والإرشاد جميع ما يمكن ذلك فيه من علم الدين) (96).

أما ما قرروه في السمة الثانية التي تجعل استحقاق الثواب والعقاب مدركاً عقلياً فهو بعينه إحدى السمات التي ظهر بها تقديس المعتزلة للعقل، وقد سبق جواب ذلك، والإحالة إليه هناك أولى من ذكره هنا خشية الإطالة والتكرار (97).

المبحث التاسع: العقل عند السلف الصالح

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل

بَّين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى موقف السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم من العقل وأهم ملامح هذا البيان يتجلى في أربع سمات:

السمة الأولى:

(أن العقل عندهم يحسَّن ويقبَّح):

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (القائلون بالتحسين والتقبيح من أهل السنة والجماعة من السلف والخلف يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف فيه المعتزلة أهل السنة، ويقولون مع هذا بإثبات الحسن والقبح العقليين، … ونَفْيُ الحسن والقبح العقليين مطلقاً لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، بل ما يؤخذ من كلام الأئمة والسلف في تعليل الأحكام وبيان حكمة الله في خلقه وأمره، وبيان ما في ما أمر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل، وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة) (98).

السمة الثانية:

(أن الثواب والعقاب على حسن الفعل وقبحه ثابتان عندهم بالشرع لا بالعقل):

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة … ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحاً موجباً للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل) (99).

السمة الثالثة:

(أن العقل عندهم لا يهتدي إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع):

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنَّة عليهم أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم، بل أشر حالاً منها، فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية) (100).

السمة الرابعة:

(أن العقل الصريح عندهم لا يعارض النقل الصحيح):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير