وفيه مسائل: المسألة الأولى
هذي الشَّريعة المحمَّديَّهْ=منسوبة للأمَّة الأمّيَّهْ
ففهمها يحصل من لسانها=على الذي يُعهدُ من بيانها
وألسنُ العُجمةِ ليس يدخلُ=فيها ولا فهمًا لها يُحصَّلُ
وأصلها القرآن وهْو عربي=جارٍ على نهج لسان العربِ
في الفصل للابهام والبيانِ=وفي الأساليب وفي المعاني
ومقتضى العموم في تصَرُّفِهْ=وصحَّةُ الظَّاهر أو تخلُّفِهْ
يعرف ذا من وسط الكلام=أو طرفَيْهِ حالةَ الإبهامِ
وفي المساق مُنبئًا عن آخره=أوَّله وعكسه كظاهرهْ
والشَّيءُ واحدٌ له أسماءُ=والاسمُ تمتازُ به أشياءُ
وحاصل أنَّ اللسان العربي=في الفهم للمشروع أصْلٌ اجْتُبي
وحين لا يفهم مقتضاهُ=سواهُ لا يُفْهِمُهُ سواهُ
(المسألة الثَّانية)
دِلالَةُ اللَّفْظِ على المعاني=في لغة العُرْبِ لها لَحْظانِ
من جهة الدِّلالةِ الأصليَّهْ=مفهمة المفاصل الكليَّهْ
وهْيَ التي فيها اشتراك الألسنَهْ=لكونها عن النَّبِي مُبَيِّنَهْ
ألا تَرى لو أنَّ قصْرًا ابتُني=أمْكن وصفه لكلِّ الألسُنِ
ومن هنا أمكن نقلُ الخبَرِ=عن أُمَّةٍ لأمَّةٍ في الأعصُرِ
أو جهة الدلالةِ الفَرْعِيَّهْ=أي التي تكون تابِعِيَّهْ
وَهْيَ التي اختُصَّ لسانُ العرب=بها وتقتضى بفَهْمٍ عَربي
من حيث حال مُخبِر ومُخبَرِ=ومخبَرٍ عنه ونفسُ الخبَرِ
وجهة الإيجاز والإطنابِ=بقصد تمهيدٍ أو اقتضابِ
ومقتضى التَّعريض والتلويحِ=أو الكنايات أو التَّصريحِ
وانظر إلى أخلاف انواع النقصْ=فمن هنا الحكمة فيها تُقْتَنَصْ
وباعتبار هذه لا يمكنُ=أن تبديَ المقصود فيه الألسنُ
فضلاً عنَ اَن يُترجمَ القرآن=إذْ لا يفي بقصده لسانُ
أمَّا على الاولى فذاك ممكنُ=لما مضى والامر فيه بيِّنُ
ومنه الاتفاق في تفسيرِ=معنى كتاب الله للجمهورِ
(المسألة الثالثة)
وهذه شريعةٌ أُميَّهْ=كمثل أهلها من البريَّهْ
وهْوَ على اعتبار حال المصلحهْ=أجرى وهذا كم دليل أوضحَهْ
فهي على معهودهم في شانها=لذلك ابتدأ إلى برهانها
وكان للعُرب عُلومٌ وهِمَمْ=مُقْتضياتٌ لمحاسن الشِّيَمْ
فصحَّحَ الشَّرعُ لما منها شُرِعْ=ورَدَّ غيره بأنْ منه منعْ
أمَّا الذي يُعزى من العلومِ=إليهم فالعلم بالنجومِ
بقصدِ الاهتداءِ للجهاتِ=والعلم بالفصولِ والأوقاتِ
فقرَّر القرآنُ هذا المعنى=فيما به على العباد امْتَنَّا
والعلم بالأنواء والأمطارِ=وبالرياح والسَّحابِ الجارِ
فبيَّن الشرعُ لنا ما حقَّقا=وأبطل الباطل منه مطلقَا
والعلمُ بالتَّاريخ والأخبارِ=وذاك في القرآن أمْرٌ جارِ
فكمْ به من قصَّةٍ ومن خَبَرْ=بالغيبِ فيه للنفوس معتبرْ
والعلم بالزخر وبالعِيافَةِ=والضرب بالحصى مع الكهانةِ
فأبطل الشارع ذاك كله=وردَّ منه فرعه وأصلهُ
فَهْو تخرص على الغيب بلا=أصلٍ ومن غير دليلٍ يُجْتَلى
وإنَّما أقرَّ حكم الفال=من حيث لا يسمو له بحال
وجاءَ في تعرّف الغيوبِ=بما أتى بغاية المطْلُوبِ
وذلك الإلهام والوحي الذي=خصَّ به الرسول في ذا المَأْخَذِ
وترَكَ الرؤيا لكلّ الأمَّةِ=وإنَّها جزءٌ من النبوَّةِ
كذلك الإلهام والفراسهْ=خُصَّا معًا بمن له ولايهْ
والعلم بالطبِّ من التجريبِ=لبعض ما يوصل للمطلوبِ
وجاء في الشَّرعِ كذاك شأنه=لكن على وجهٍ شفى بيانه
والعلم بالكلام والمعاني=ومقتضى أساليب البيانِ
ومن هنا لمَّا أتى القرآنُ=كان لهم لأمره إذعانُ
لفهمهم مواقع الإعجازِ=في حالَي الإطنابِ والإيجازِ
وعِلمهم بأنَّه عند النَّظرْ=لا تنتهي إليه قدرة البشرْ
وهو على فنونهم قد اشتملْ=من مقتضى الحكمة أو ضرب المثلْ
غير مناحي الشِّعر واتّزانهْ=فإنَّه منزَّهٌ عن شانِهْ
ومقتضى مكارم الأخلاق=تمَّمَها الشرع على الإطلاق
وخوطبوا بها في الاَوَّليَّهْ=فَجُلُّها في السُّورِ المَكِّيَّهْ
لكنْ على وجهٍ من التلطُّفِ=يُشْعِرُ بالتَّانيس والتقطف
فلو يتوا فيما به التعريف=واستدرجوا لما به التكليف
ورغبوا لما به الترغيب=وأشعروا لما به ترهيبُ
فما يُرى لهم من المعهودِ=من جهة المعقول والموجودِ
وانظر لكيفياتِ منع الخمرِ=فإنها للغاية في ذا الامر
(المسألة الرابعة)
وكونُها أميَّة المقاصد=يبنى عليه الحكم في قواعد
منها اطراحُ قول من مال في=دعواه في القرآن للتعسُّفِ
إذْ نَسَبُوا إليه كل علمِ=مستنكر في الشرع عاري الرّسم
وبعمومات على الدعوى استال=وذاك لو كان صحيحًا لَنُقِلْ
¥