كما استدلَّ بفواتح السُّوَرْ=من اقتفى علم الحروف واغتَبَرْ
وإن معهود اللسان العربي=في فهمه أصل قوي السبب
وشأنهم رعاية المعاني=وحفظهم للَّفظ عنها ثاني
فكلُّ ما أدَّى لمعنى قد قصِد=فهْو وإن تعدَّد اللفظ اعتمدْ
ورعي معنى المفهم الخِطابِي=فإنه المقصود في الخطابِ
وجعل اللفظ له وسيلهْ=توضح من بيانه سبيلَهْ
والعلم إن كان بها الأفهامُ=ممَّا به تشتركُ الأفهامُ
وما به التَّكليف للخلق صَدَرْ=مأخذه سهلٌ على فهم البشرْ
وإن بدا تفاوتٌ بها اعتُبِرْ=واحتيج فيها لبيان وافتُقِرْ
فذاك فيما لم يحد أطلقا=بحسَبِ المكلَّفين مطلقَا
فصار فيه كل شخص كلفا=بمقتضى إدراكه مكلَّفَا
(المسألة الخامسة)
وتُقْتضى أحكامها الشَّرعيَّهْ=من جهة الدّلالةِ الأصليَّهْ
وفي اقتضائها من الاخرى نَظَرْ=فالأخذ بالتَّرجيح فيها معتبَرْ
فقد يقال المنع أولى مطلقا=إذ مقتضى الأصلي قد تحققا
وغيره دعوى بلا دليل=وإن أتى فقابل التَّاويل
وكونها من اللسان العربي=يدلُّ أنَّ أخذها منها اجتبي
وأخذ أهل العلم في أحكامِ=بمقتضاها واضح الأعلام
مثل أقلّ مدة الأحمال=من مقتضى التعيين للفصال
وما أفاد أدبًا شرعيَّا=يلفى مذاك حكمه مرعيَّا
منه الكناياتُ عن الاشياءِ=فيما يُرى مظنَّة استحياءِ
ومنه الالتفاتُ في الخطابِ=وفيه جملة من الآدابِ
كمثل الاقبال وكالتَّنبيهِ=على علوّ الشَّان والتنزيهِ
ومنه في الندا بفرق بادِ=بنسبةِ المعبود والعبادِ
فحيث نادى الله جلَّ وعلا=عباده حرف الندا اعملا
ومقتضاه مُشْعِرٌ بالبعدِ=وأصله التنبيه قبل القصد
وفي نداءِ العبد للّه فلا=يوتى بيا ولفظ ربّ اقبلا
فالحذف مشعرٌ بقرب مَن دُعِي=والرّب موذن بنيل الطَّمَعِ
ومنه بالتَّرك لما بتّره=عند الذي له به التَّوجُّهُ
وانظر إلى قصّة موسى والخَضِرْ=وفي مرضتُذاك أيضًا اعتُبِرْ
ومنه ترك الرد بالمكافحهْ=والأخذ بافغضاء والمسامحهْ
فإنّه أدْعَى إلى القبولِ=وذاك مأثورٌ من التنزيلِ
ومنه بالجَرْي على العاداتِ=في الاعتناء بالتسبّباتِ
والعلم ءاتٍ من وراء ذلكا=بما يُرى مُسبَّبًا هنالكا
ومقتضى عسى بذاك ثبّتا=ومثله لعلكم حيث أتى
وذاك كان للرسول الشَّانُ=مع المنافقين حيث كانوا
النوع الثالث في بيان قصد الشّارع في وضع الشّريعة للتكليف
وفيه مسائل، المسألة الأولى
تكليف ما ليس يُطاقُ لم يقعْ=شرعًا وإن كان لدى العقل يَسَعْ
فإن يكُ القصدُ لتكليفٍ ظهرْ=بغير مقدورٍ عليه للبشرْ
فذاك راجعٌ لما يلازمُ=كمثل لا تمت وأنت ظالمُ
(المسألة الثانية)
والوصفُ للإِنسان إن يكن طبع=عليه لم يطلب به أن يرتفعْ
لكونه من غير الاكتسابِ=كشهوة الطَّعامِ والشَّرابِ
وإنما يطلب يطلبُ نهيُ النفس عنْ=مَيل إلى الممنوع في غير سننْ
وأن تكون حالة الإرسال=ِلما تجلّ على الاعتدالِ
وذاك راجعٌ لِلاَفْعَالِ التي=تنشأ عنها باكتسابٍ مُثْبَتِ
(المسألة الثالثة)
وما من الاوصاف للانسانِ=مركّبًا في طبعه ضربانِ
مشَاهد بحسٍّ بالعيانِ=ومختفٍ يثبت بالبرهانِ
إذا بما به تعلّق الطلبْ=أضرب الاوَّل ما لا يكتسبْ
قطعًا وذاك ما مضى والثّان=مكتسبٌ بالقطع للإنسانِ
فذا به التكليف حتما مطلقَا=والطلب الوارد ذاك حقّقَا
كان من المقصود مقتضاهُ=في نفسه أو كان في سِواهُ
والثالثُ مشبه في الامر=كالحب والبغض ومثل الكِبر
فينظر الناظر في الحقائق=والحكم فيها الحكم في الموافقْ
أعني من القسمين ثم ظاهره=إلحاقه بأوَّل يناظرهْ
إمَّا لأنَّهُ من أصْلِ الخِلقةِ=وداخلٌ تحت صفات الفطرةِ
فالطَّلبُ الواردُ إنَّما وقَعْ=على التَّوابعِ الَّتي فيه تقعْ
لأنَّ الاوصاف بِلا ارتيابِ=تتبعها أفعال الاِكْتِسَابِ
أمَّا لأنَّهُ له بواعثُ=من غيره ليستْ له تناكث
فإن تظن تدخل تجت الكسْبِ=فالسَّابقُ المطلوب في ذا الضَّرْبِ
وإن تكن ليست من المقدورِ=فيطلب اللاحق للأمورِ
وفقه الاوصاف بهذا النَّهْجِ=مستوضحٌ مّن مهلك ومُنجِ
(المسألة الرابعة)
وما مِنَ الاوصاف ليس يقدرُ=جلبًا لها ولا سواهُ البَشَرُ
بذاتها ضربان ما عن عملِ=ينشأُ وضربٌ أوَّلي
فما يُرى نتيجة عن العملْ=فذا عن الجزاء توعه اشتَمَلْ
مِنْ حيثُ إنَّهُ عن الأسبابِ=مسبَّبٌ بادٍ بالاكتسابِ
والحُبُّ والبُغْضُ به تعلَّقَا=من حيث ما الجزاءُ فيه حُقِّقَا
وغيره الفطريُّ فيه النَّظر=من ملحظين عندما يُعْتَبَر
¥