" وحاصله إن كان النفي قد استند إلى العلم فهو مقدم على المثبت، وفي كلام الشيخ عز الدين نحوه، وهو حينئذ كالمثبت، وهو نظير النفي المحصور، وقد صرح أصحابنا بقبول الشهادة فيه، وكذا لو شهد إثنان بالقتل في وقت معين، وأخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ولم يغب عنا تعارضا، وبحث فيه الرافعي، ورده النووي وقال: الصواب أن النفي إن كان محصورا يحصل العلم به قبلت الشهادة، وما قاله النووي صحيح، والنفي المحصور والإثبات سيان،
مثال ذلك:
مارواه مالك في "الموطأ" (1/ 75)، وأحمد في "مسنده" (1/ 147)، والبخاري في "صحيحه" (735)، ومسلم في صحيحه" (390)، وغيرهم من حديث ابن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك، وقال"سمع الله لم حمده ربنا ولك الحمد"، وكان لايفعل ذلك في السجود." اهـ
وما رواه الدارقطني في "سننه" (1/ 291)، والبيهقي في "سننه" (2/ 81)، من حديث علقمة بن وائل عن أبيه انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع وإذا سجد ... " اهـ
ومن حديث مالك بن الحويرث رواه أبو عوانة في "صحيحه" (2/ 95)، والنسائي في "سننه" (2/ 123)، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه." اهـ
ففي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه إثبات لرفع اليدين عند السجود، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه نفي لرفع اليدين حالة السجود.
فنفي ابن عمر رضي الله عنه لرفع اليدين حالة السجود إنما هو نفي بعلم، فنفيه ليس لعدم علمه بالرفع، بل لعلمه بعدم الرفع، فقد تأكد ابن عمر من عدم الرفع وجزم بأنه لم يفعله في السجود، مع أنه جزم بأنه فعله في الركوع، والرفع منه وعند تكبيرة الإحرام، والقيام من التشهد الأول، فكان نفي ابن عمر رضي الله عنه الرفع عند السجود نفيا بعلم، فكان بمنزلة الإثبات، لأن نفيه للرفع إثبات لعدم الرفع، وهذا الكلام مستفاد من كلام ابن عثيمين رحمه الله.
قال ابن عثيمين رحمه الله فتاواه الفتوى رقم (8531)، في هذه المسألة:
" ... وابن عمر منأشد الناس حرصاً على معرفة السنة والتمسك بها، ولا يمكن أن ينفي مثل هذا النفيوهو عن غير علم، وليس هذا من باب ما يقال إنه إذا تعارض المثبت والنافي قدم المثبت؛ لأن نفيه هنا مع إثباته الرفع عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، دليل على أن هذا النفي حكمه حكم الإثبات. وهذا ظاهر لمن تأمله، والقاعدة >المعروفة عند أهل العلم (أن المثبت مقدم على النافي) ينبغي أن تقيد بمثل هذا وهو أن >الراوي: إذا ذكر أشياء وفصلها ثم أثبت لبعضها حكماً ونفى هذا الحكم عن البعض >الا?خر، فإنه قد شهد الجميع، وتيقن أن هذا الحكم ثابت في هذا، ومنتف في هذا ... " اهـ
وقال رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/ 349)، في الكلام على رفع اليدين في السجودن وحديث ابن عمر النافي لها:
" .. وليس هذا من باب تعارض مثبت ومنفي؛ حتى نقول بالقاعدة المشهورة: إن >المثبت مقدم على النافي؛ لأن النفي هنا في قوة الإثبات، >فإنه رجل >يحكي عن عمل واحد فصله، قال: هذا فيه كذا وأثبته، وهذا ليس فيه كذا ونفاه، >وفرق بين النفي المطلق وبين النفي المقرون بالتفصيل، فإن النفي المقرون بالتفصيل >دليل على أن صاحبه قد ضبط حتى وصل إلى هذه الحال، عرف ما ثبت فيه الرفع وما لم يثبت >فيه الرفع ... " اهـ
قال العبد الضعيف: فالنفي والإثبات في هذه الحالة يتعارضا ولا يقدم أحدهما على الآخر إلا بمرجح آخر، وقد رجح الجمهور حديث ابن عمر رضي الله عنه في عدم الرفع في السجود، بكون متفق عليه، ورواه عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يذكر أحد منهم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حالة السجود، وكذلك من كون الأحاديث الدالة على الرفع في السجود لا تخلوا من مقال
قال الحافظ أحمد الغماري رحمه الله في "هداية الرشد" (2/ 106) بعد أن أخرج حديث ابن عمر رضي الله عنه:
" قلت: بل رواه من الصحابة نحوا خمسين رجلا منهم العشرة ... "
¥