ومعظم هذه المعاجم قد تصوَّنت عن إِثبات ما وضع المولَّدون والمحدَثون في الأقطار العربية من الكلمات والمصطلحات والتراكيب، حتى قَرَّ في نفوس الدارسين أنَّ اللغة قد كملت في عهد الرواية، واستقرَّت في بطون هذه المعاجم.
ظلّ الأمر على هذه الحال حتَّى نهضَ العرب نهضتَهم العامَّةَ في العصر الحديث، وأرادوا أن يسايروا رَكْبَ الحضارة، ويشاركوا في تحصيل العلوم والفنون الحديثة، ويَنْقلوها إِلى أبنائهم بلغتهم، فلم يجدوا من اللغة المأَثورة المحصورَةِ، القدرَة على التعبير عن أكثر ما يريدون أن ينقلوا من علومٍ أو فنون، أو ما يستعملون من أدواتٍ وآلات، أو ما يتداولون من سِلَع وعروض، أو ما يتَّخذون من أَثاث وفراش، أو ما يلبسون من حَلْي وثياب، أو ما يركبون من بواخرَ وطائرات.
ولقد اقتضت هذه الحالُ إِنشاء "مجمع اللغة العربية"؛ ليحافظَ على سلامة اللغة العربية، ويجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون وتقدُّمها، ملائمة على العموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر، وذلك بأَن يحدّد في معاجمَ أو تفاسيرَ خاصّة، أو بغير ذلك من الطرق، ما ينبغي استعماله أو تجنُّبه من الألفاظ والتراكيب.
فرأى المجمع - وهو الجهة اللغوية العليا - أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلةِ بتحقيق الأغراض التي من أجلها أُنشئ؛ وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها، بحيث تساير النهضة العلمية والفنيّةَ في جميع مظاهرها، وتَصلحُ موادُّها للتعبير عما يُستحدَث من المعاني والأفكار.
وكان من بين هذه الوسائل اتخاذ قرارات لغويّة هامّة، منها: (1) فتح باب الوضع للمحدَثين بوسائله المعروفة من اشتقاق، وتجوّز، وارتجال.
(2) إِطلاق القياس؛ ليشملَ ما قيسَ من قبل وما لم يُقَسْ.
(3) تحرير السَّماع من قيود الزمان والمكان؛ ليشمل ما يُسمَع اليوم من طوائف المجتمع، كالحدَّادين والنجَّارين والبنائين، وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات.
(4) الاعتداد بالألفاظ المولَّدة، وتسويتُها بالألفاظ المأَثورة عن القدَماء.
ثم رأت وزارة المعارف (التربية والتعليم) ورأى معها المجمعُ، أنَّ من أهم الوسائل لإنهاض اللغة وضعَ معجم يقدَّم إِلى القارئ المثقَف ما يحتاجُ إِليه من موادّ لغويّةِ، في أسلوب واضح، قريبِ الماخذ، سهل التناول، واتُفق على أَن يسمَّى هذا المعجمُ: "المعجمَ الوسيط".
ووكّل المجمع إِلى لجنة من أَعضائه وضع هذا المعجم.
وسارت اللجنة في عملها مستقلةً بتبعته، ومسترشدة بما يُقِرُّه مجلس المجمع ومؤْتمره من ألفاظ حَضارية مستحدَثة، أو مصطلحاتٍ جديدة موضوعة أو منقولة، في مختلف العلوم والفنون، أَو تعريفات علمية دقيقة واضحةٍ للأشياءِ.
ولهذا كله تهيأَ لهذا المعجم ما لم يتهيأ لغيره من وسائل التجديد، واجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من خصائصَ ومزايا، فقد أهملت اللجنةُ كثيرًا من الألفاظ الحوشية الجافية، أَو التي هَجَرها الاستعمال لعدم الحاجة إِليها، أو قلة الفائدة منها، كبعض أسماءِ الإبل وصفاتها وأدواتها وطرق علاجها، وأهملت كذلك الألفاظَ التي أجمعت المعاجمُ على شرحها بعباراتٍ تكاد تكون واحدةً، شرحًا غامضًا مُقتضَبًا لا يبيِّنُ حقائقَها، ولا يقرَّب معانيها.
كذلك أَغفلت بعضَ المترادِفات التي تنشأَ عن اختلاف اللهجات؛ مثل: اطمأَنَّ واطبأَنَّ، ورعس ورعث، ..... إِلخ.
وعُنيت اللجنة بإثبات الحيِّ السهل المأَنوس من الكلمات والصيغ، وبخاصة ما يَشعرُ الطالبُ والمترجمُ بالحاجة إِليه، مع مراعاة الدِّقّة والوضوح في شرح الألفاظ أو تعريفها.
واستعانت اللجنة في شَرحها للألفاظ بالنصوص والمعاجم التي يُعتمَد عليها، وعزَّزَته بالاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأمثال العربية، والتراكيب البلاغية المأثورة عن فصحاءِ الكتَّاب والشُّعراءِ، وصَوَّرت ما يَحتاج توضيحُه إِلى التصوير: من حيوان، أو نباتٍ، أو آلة، أو نحو ذلك.
وآثرَت في الشرح الأساليبَ الحيَّة على الأساليب الميّتة.
وأَدخلت اللجنةُ في متن المعجم ما دَعَت الضرورةُ إِلى إِدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المحْدَثة، أو المُعرَّبة، أو الدخيلة، التي أقرها المجمع، وارتضاها الأدباءُ، فتحرَّكَت بها ألسنتهُمْ، وجَرَتْ بها أقلامُهم.
¥