تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، وإني قد نَبَغْتُ في هذا الفَنِّ قَدِيمًا، وصَبَغْتُ به أديمًا، ولم أزَلْ في خِدْمَتِهِ مُسْتَدِيمًا. وكُنْتُ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ ألْتَمِسُ كِتابًا جامِعًا بَسِيطًا، ومُصَنَّفًا على الْفُصَحِ والشَّوارِدِ مُحيطًا، ولَمَّا أعْيانِي الطِّلَاب، شَرَعْتُ في كِتابي الموسُوم بـ "اللاَّمِعِ المُعْلَمِ العُجابِ، الجامِعِ بَيْنَ المُحْكَمِ والعُبابِ"، فَهُما غُرَّتا الكتبِ المُصَنَّفَةِ في هذا الباب، ونَيِّرَا بَراقِعِ الفَضْلِ والآداب، وضَمَمْتُ إليهما زياداتٍ امْتَلأ بها الوِطاب [الوِعاء]، واعْتَلَى منها الخِطاب، فَفَاقَ كُلَّ مُؤَلَّفٍ في هذا الفَنِّ هذا الكتاب. غَيْرَ أنِّي خَمَّنْتُهُ في سِتِّينَ سِفْرًا، يُعْجِزُ تَحْصِيلُهُ الطُّلَّاب. وسُئِلْتُ تَقْدِيمَ كِتابٍ وَجِيزٍ على ذلك النِّظام، وعَمَلٍ مُفْرَغٍ في قَالَب الإِيجازِ والإِحكام، مَعَ الْتِزامِ إتْمَامِ المَعانِي، وإبْرَامِ المَباني، فَصَرَفْتُ صَوْبَ هذا القَصْدِ عِنَانِي، وألَّفْتُ هذا الكِتابَ مَحْذْوفَ الشَّواهِد، مَطْرُوحَ الزَّوائِدِ، مُعْرِبًا عن الفُصَحِ والشَّوارِد، وجَعَلْتُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تعالى زُفَرًا [بحرًا] في زِفر [قِربة]، ولَخَّصْتُ كُلَّ ثَلاثِينَ سِفْرًا في سِفْر، وضَمَّنْتُهُ خُلاصَةَ ما في " العُبابِ" و"المُحْكَم"، وأضَفْتُ إليه زياداتٍ مَنَّ اللَّهُ تعالى بها وأنْعَم، ورَزَقَنِيها عند غَوْصِي عليها من بُطُونِ الكُتُبِ الفَاخِرَة، الدَّأْمَاءَ الغَطَمْطَم [الواسعة العظيمة]، وأسْمَيْتُهُ: " القامُوسَ المُحِيطَ "، لأنَّهُ البَحْرُ الأعْظَم.

ولَمَّا رَأيْتُ إقْبَالَ النَّاسِ على "صِحَاحِ" الجَوْهَرِيِّ، وهوَ جَدِيرٌ بذلك، غَيْرَ أنَّهُ فَاتَهُ نِصْفُ اللُّغَةِ أو أكثَرُ، إمَّا بإِهْمَالِ المادَّة، أوْ بِتَرْكِ المَعانِي الغَريبَةِ النَّادَّة، أرَدْتُ أنْ يَظْهَرَ لِلنَّاظِرِ بادئَ بَدْءٍ، فَضْلُ كِتَابي هذا عليه، فَكَتَبْتُ بالحُمْرَةِ المادَّةَ المُهْمَلَةَ لَدَيْه، وفي سائِرِ التَّراكيبِ تَتَّضِحُ المَزِيَّةُ بالتَّوَجُّه إليه، ولم أذْكُرْ ذلك إشاعَةً للمفاخر، بل إذاعَةً لِقْولِ الشَّاعر: " كَمْ تَرَكَ الأوَّلُ للآخِر ".

وأنْتَ أيُّها اليَلْمَعُ [الذكيّ] العَرُوف، والمَعْمَعُ الْيَهْفُوف [المجرِّب الصبور]، إذا تَأمَّلْتَ صَنِيعي هذا، وَجَدْتَهُ مُشْتَمِلًا على فَرَائِدَ أثيرَة، وفَوَائِدَ كَثِيرَة: مِنْ حُسْنِ الاخْتصارِ، وتَقْرِيبِ العِبارَةِ، وتَهْذِيبِ الكلامِ، وإيرادِ المَعاني الكَثِيرَةِ في الألْفَاظِ اليَسِيرَة.

ومِنْ أحْسَنِ ما اخْتَصَّ به هذا الكتابُ: تَخْلِيصُ الواو من الياء، وذلك قِسْمٌ يَسِمُ المُصَنِّفينَ بالعِيِّ والإِعْياء.

ومنها: أنّي لا أذْكُرُ ما جاءَ من جَمْعِ فاعِلٍ المُعْتَلِّ العَيْنِ على فَعَلَة، إلا أن يَصِحَّ مَوْضِعُ العَيْنِ منه، كَجَوَلَةٍ وخَوَلَة، وأما ما جاءَ منه مُعْتَلاًّ، كباعَةٍ وسَادَة، فلا أذْكُرُه لاطِّراده.

ومن بَدِيعِ اختصارِه، وحُسْنِ تَرْصِيعِ تِقْصارِه [قِلادته]: أنِّي إذا ذَكَرْتُ صيغَةَ المُذَكَّرِ، أتْبَعْتُها المُؤَنَّثَ بقولي: وهي بهاءٍ، (ولا أُعِيدُ الصِّيغَةَ)، وإذا ذَكَرْتُ المَصْدَرَ مطلقًا، أو الماضيَ بدونِ الآتي، ولا مَانِعَ، فالفِعْلُ على مِثالِ كَتَب، وإذا ذَكَرْتُ آتِيَهُ بلا تَقْييدٍ، فَهُوَ على مِثالِ ضَرَب. على أنِّي أذْهَبُ إلى ما قال أبو زَيْدٍ: إذا جاوَزْتَ المَشاهِيرَ من الأفعال التي يأتي ماضيها على فَعَلَ، فأنتَ في المُسْتَقْبَلِ بالخيارِ: إن شِئْتَ قُلْتَ يَفْعُلُ بضم العين، وإن شِئْتَ قُلْتَ يَفْعِلُ بكسرها (وكُلُّ كَلِمَةٍ عَرَّيْتُها عنِ الضَّبْطِ، فإِنَّها بالفَتْحِ، إلَّا ما اشْتَهَرَ بخلافِهِ اشْتِهارًا رافِعًا لِلنِّزاعِ من البَيْن) وما سِوَى ذلك، فَأُقَيِّدُهُ بِصَريحِ الكلام، غَيْرَ مُقْتَنِعٍ بِتَوْشِيحِ القِلام [الأقلام]، مُكْتَفِيًا بِكتابَةِ: ع، د، ة، ج، م، عَنْ قَوْلِي: مَوْضِعٌ، وبَلَدٌ، وقَرْيَةٌ، والجَمْعُ، ومَعْرُوف. فَتَلَخَّصَ، وكُلُّ غَثٍّ إن شاءَ اللهُ عنه مَصْرُوف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير