تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يتأتى له أن يدريه، لأنه أعظم من أن يحيط به العلم والإدراك ([42]). ثم يلقاه هذا النبأ: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) ... وتمضى السورة إلى ختامها.

«أما براعة الاستهلال فى مطلع سورة النجم، فحدّث عنها ولا حرج، وقف أمامها طويلاً متأملا؛ لأن الوقوف أمامها:

كأن العيون الناظرات صياقل

\

يزيد على طول التأمل بهجة

وبراعة الاستهلال فيها:

وألذ فى الأجفان من سنة الكرى

\

أندى على الأكباد من قطر الندى

اقرأ الآيات التى صورت معراج الحبيب إلى الملأ الأعلى، وما رأى من آيات ربه الكبرى فى ليلة الإسراء والمعراج .. وتأمل حسن الابتداء بـ (النجم) مقسما به، وتدبر براعة الاستهلال بحركة تلألؤ ذلك النجم، ثم هويه ودنوه.

لقد رويت تفسيرات مختلفة للنجم المقصود فى هذا القسم، فقال ابن عباس: هو الثريا إذا سقطت مع الفجر وغابت. وهويّه: مغيبه، والعرب تسمى الثريا نجما. وقال مجاهد: هى نجوم السماء كلها حين تغرب، لفظه واحد، ومعناه الجمع، سمى الكوكب نجما لطلوعه، وكل طالع نجم، يقال: نجم السن والقرن والنبت: إذا طلع. وزعم السدى: أنها الزهرة. وقال الضحاك: المقصود: الرجوم من النجوم، يعنى الشهب الثاقبة التى ترمى بها الشياطين عند استراقهم السمع، وقال أبو حمزة الثمالى: هى النجوم إذا انتثرت يوم القيامة. وقيل: المراد بالنجم القرآن الكريم، سُمِّى نجما لأنه نزل نجوما متفرقة فى ثلاث وعشرين سنة، وسمى التفريق: تنجيما، والمفرق نجما، وهذه الآية كقوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ* لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الواقع 75: 80] والهوى: النزول من أعلى إلى أسفل. وقال الأخفش: النجم: هو النبت الذى لا ساق له، ومنه قوله عز وجل: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) [الرحمن: 6] وهويّه: سقوطه على الأرض. وقال جعفر الصادق: يعنى بالنجم فى هذه السورة محمداً صلى الله عليه وسلم، إذ نزل من السماء ليلة المعراج، [بعد الصعود إليها] والهوى: النزول يقال: هوى يهوى هويا إذا نزل، مثل مضى يمضى مضيا ([43]). وقال الشيخ سيد قطب: «أقرب ما يرد على الذهن أن القسم بالنجم فى مطلع هذه السورة إشارة إلى الشعرى، التى كان بعضهم يعبدها، والتى ورد ذكرها فى السورة فيما بعد فى قوله: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) [الآية 49] وقد كان للشعرى من اهتمام الأقدمين حظ كبير. ومما هو معروف أن قدماء المصريين كانوا يوقتون فيضان النيل بعبور الشعرى بالفلك الأعلى، ويرصدونها من أجل هذا ويرقبون حركتها. ولها شأن فى أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء. فالأقرب أن تكون هذه الإشارة هنا إليها، ويكون اختيار مشهد هوّى النجم مقصوداً للتناسق والتوافق فى الإيقاع بين رءوس الآيات، ولمعنى آخر هو الإيماء بأن النجم مهما يكن عظيماً هائلاً فإنه يهوى ويتغير مقامه؛ فلا يليق أن يكون معبوداً، فللمعبود الثبات والارتفاع والداوم» ([44]) أ. هـ.

وفى تقديرى، أنه مهما يكن المراد بالنجم الذى أقسم الله به فى مطلع سورة النجم، فإن استهلال السورة بهذه اللفظة - لفظة النجم - استهلال بارع، ومفتتح حسن، وابتداء فى قص واقعة المعراج وما تلاها من آيات السورة فى غاية الروعة والجمال؛ ذلك أن لفظة (النَّجْم) لفظة عذبة رقيقة توحى بالجمال، ولذلك قال الحق سبحانه: (وَ لقد زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) [الملك: 5] فهى زينة تبدو جميلة فى العيون، ومصباح يتلألأ نوراً. على أنها مناسبة تمام المناسبة لذلك الأفق الوضيئ الطليق المرفرف الذى عاش فيه قلب محمد وبصره، وهو يرف - فى ليلة الإسراء والمعراج بأجنحة النور المنطلقة إلى الملأ الأعلى، حيث استوى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى له الله ما أوحى، ورأى من آيات ربه الكبرى ما رأى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير