تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يؤكد هذا أن الحق سبحانه حينما عرض قصتها مع يوسف استهل هذه القصة بقوله: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ)،فلم يعبر عنها إلا بالإسم الموصل (التى) المفيد لتحقيرها ([56]). ناهيك عما يقدمه مدلول الصلة من تقرير الغرض المسوق له الكلام وهو تنزيه يوسف عليه السلام، وبعده عن مظان الريبة، والتعبير بالموصل (التى) أدل على هذا الغرض مما لو قال: وراودته (زوج العزيز) أو (زليخا)، لأنه إذا كان فى بيتها، ووسائل إغرائها موفورة عندها، وهما فى خلوة، وتحت سقف واحد، وقد واتته فرصة التمكن منها، ومع ذلك عف وأمتنع، كان ذلك غاية فى النزاهة، ولولم تستخدم الآية الإسم الموصول بدلا من اسمها (زليخا) لما فهم هذا المعنى ([57]).

لقد إستهجن القرآن الكريم التصريح بإسم تلك المرأة، فعبرعنها أول معبر فى سورة يوسف بالإسم الموصول، ثم عبر عنها بعد ذلك فى السورة

بـ (امرأة العزيز)، ولم يقل أبداً (زليخا)، ولا (زوج العزيز)، ولا عجب فقد أرادت يوسف أن يجلس منها مجلس الرجل من أهله فأمتنع، وفى هذا الصنيع شناعة يعف اللسان عن ذكر الداعية إليه، وبخاصة أن زوجها له خطر" ([58]) ومكانة، إذ كان عزيز مصر [رئيس وزرائها]، ومن هنا عدلت الآية عن التصريح بإسمها وحرمانها من لقب (زوج العزيز)، رغبة عنها، وكراهية فيها الى تعريفها بالموصول وتلقيبها بـ (امرأة العزيز)

ثم إن عدم التصريح بإسم تلك المرأة - وهو زليخا-يأتى من قاعدة قرآنية مطردة فيه تمثل نمطاً فريداً من الأدب القرآنى الرفيع، تلقاه فى كثير من سوره حيث لا يصرح بأسماء يرى التصريح فيها إلصاقاً لعار، قد يطارد أصحابها طيلة الزمن، كقوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) (التوبة: 117، 118)

مشيراً بلفظ (الثلاثة) إلى: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خروجه من المدينة إلى غزوة تبوك.

وإذا كان الشعراء الجاهليون قد دأبوا فى كثير من قصائدهم على التصريح بأسماء النساء كتصريح زهير بن أبى سلمى بإسم زوجته (أم أوفى) فى مطلع معلقته:

بجومانة الدراج فالمتثلم

¯¯

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

وقول طرفه بن العبد:

تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد

¯¯

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

فإن القرآن الكريم لم تذكر فيه امرأة بإسمها إلا مريم إبنة عمران، وكأنه يعلم الأزواج بذلك أن يخفوا على الناس أسماء زوجاتهم، ولا عجب فليس فى هذا الذكر من ثمرة، ولا يضيف جديداً إلى الموقف، بل هى زيادة لافائدة فيها، فهى حشو وتطويل لا يقبله النسق المحكم، والأدب الرفيع فى لغة القرآن الكريم.

أما التصريح بإسم (مَرْيَمَ) فلانها ذات صفة خاصة استقلت بها دون النساء جميعاً، فكان ذكرها بإسمها أمرا لا مندوحة منه، ولا معدى عنه، فلا يكفى فى (مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَان) أن يقال عنها: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) أو (امرأة أحصنت فرجها)، وإنما (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) و (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا). إنها امرأة واحدة أسمها مريم بين نساء العالمين جميعاً، وهى التى كان لها هذا الشأن، ولو أغفل ذكر إسمها لأفهم ذلك أن هذا لها من حيث هى امرأة وكفى. . وكلا فإنها (مَرْيَمَ) التى إختصها ربها بهذا الفضل العظيم، فإصطفاها على نساء العالمين، وجعلا وابنها عيسى آية للعالمين، فكان التصريح بإسمها وبإسم ولدها أمرا يقتضيه مقتضى الحال ([59]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير