تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن ما يقضيه القرآن الكريم هو لمحات إيمانية لا تتعلق بالشخص نفسه من حيث هو شخص، وإنما تتعلق بالغايات المرادة من عرض هذه اللمحات الإيمانية. ولا ريب أن معجزة الميلاد من أنثى بلا ذكر لن تتكرر بالنسبة لنساء العالمين جميعا إلى يوم القيامة، فليست ثمة أنثى يحدث لها ما حدث لمريم. . لقد كانت مريم آية فى اصطفائها، وآية فى ميلادها، وآية فى إختلائها، وآية فى ولادتها لعيسى دون أن يمسسها بشر، وآية فى طهارتها وبتوليتها، وآية فى شخصها، فإستحقت - عن جدارة - أن تذكر بإسمها فى القرآن الكريم، وأن يتكرر هذا الإسم فيه أربعاً وثلاثين مرة، وفى واحدة من هذه المرات نسبت إلى أبيها عمران، (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) ([60]) والرائع حقاً أن تاء (ابنة) رسمت فى المصحف مفتوحة لا مربوطه، خارجية عن المعتاد فى الرسم الإملائى، تماماً كما كما جاءت ولادتها لعيسى خارجة عن المعتاد، فتاة عذراء تلد غلاماً دون أن يمسسها بشر!

على أن التاء قد مدت أيضا "تنبيهاً على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة، ولم يضف فى القرآن ولد إلى والد، ووصف به اسم الولد إلا عيسى وأمه عليهما السلام، لما إعتقد النصارى فيهما أنهما إلهان، فنبه سبحانه بإضافتهما الولادية على جهة حدوثهما بعد عدمهما، حتى اخبر تعالى فى مواطن بصفة الإضافة دون الموصوف، وقال: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) ([61]) لما غلوا فى إلاهيته أكثر من أمه كما نبه تعالى على حاجتهما وتغير أحوالهما فى الوجود، يلحقهما ما يلحق البشر، قال الله تعالى: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) المائدة: 75 ([62]).

وصفوة القول: أن الرسم العثمانى للمصحف الشريف رسم فى غاية الروعة والجمال، وفيه من بدائع الرسم ما هو مشحون بأسرار هى مفاتيح أو بعض مفاتيح ما أشتملت عليه آياته من كنوز معنوية لن تنتهى معالمها إلى يوم القيامة وبالطبع فإنه لن يقف على مثل ذلك إلا من أنار الله بصيرته، فتهيأت لمشاهدة أضواء ذلك الإعجاز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

من الجمال القرآنى

تواثب القرآن الكريم على شفاه الناس

فى أحاديثهم ومحاوراتهم لشدة تعلقهم به

من جمال القرآن الكريم أنه لم يقف عند حد فرض سلطانه وتأثيره على قلوب سامعيه فحسب، وإنما امتد سلطانه وتأثيره إلى الألسنة، فنراه يجرى على شفاه الناس إذا إرادوا الكلام .. من أى طبقة كانوا، وفى كل وقت، فآياته الشريفة، وعباراته الجليلة، وألفاظه العذبة، وأمثاله المضروبة تبرز فى كل مناسبة، ولو كانت هذه المناسبة فكاهة أو غيرها. وقلما يخلو حوار أو حديث بين مسلمين من آية أو بعض آية، تجيئ فى صورة تضمين واقتباس، أو تمثل، أو اعتبار. وذلك لكثرة الحفظ، وطول الترداد، وشدة الممارسة، ودوام المصاحبة، ومن ذا يتضمخ بالمسك ولا يفوح نشره، أو ينغمس فى بحر العنبر فلا يكون عنبر الأنوف والأرواح حيث كان من الحياة!! والأمثلة على هذا جد كثيرة، ولا سيما فى اقتباسات الكتاب والشعراء، ويكفى أن نذكر هنا مثالين:

المثال الأول من النثر، وهو القصة المشهورة التى جرت لعبد الله

بن المبارك مع العجوز التى لقيها فى موسم الحج، فحادثها، فإذا هى لا تتكلم إلا بالقرآن الكريم، ولا تنطق كلاما فى جارى حوارها وخطابها وجوابها إلا من آى الذكر الحكيم.

قال عبد الله بن المبارك: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيّه عليه الصلاة والسلام. فبينما أنا فى بعض الطريق إذ أنا بسواد؛ فتميزت ذاك فإذا هى عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف. فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقالت: «سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ» فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين فى هذا المكان؟ قالت: «ومن يضلل الله فلا هادى له» فعلمت أنها ضالة عن الطريق فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» فعلمت أنها قد قضت حجتها وهى تريد بيت المقدس. فقلت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير