ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[21 - 12 - 07, 03:57 ص]ـ
5 - .. وقال مالك بن الريب يرثي نفسه- من الطويل-:
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً بِجَنبِ الغضى أُزجي القَلاصَ النَواجِيا
فَلَيتَ الغضى لَم يَقطَعِ الرَكبُ عرضه وَلَيتَ الغضى ماشى الرِّكابَ لَيالِيا
لَقَد كانَ في أَهلِ الغضى لَو دَنا الغَضا مَزارٌ وَلَكِنَّ الغضى لَيسَ دانِيا
1 - إن من الشعر ما لا ينبغي أن يحلل أو يشرح ... حسب المتلقي أن يستكين لرقرقة القصيدة ويستعذب حفيف الأبيات وخرير الكلمات .. فكل كلام في هذا المقام قلة ذوق،بل قلة حياء!
نعم، فرب تحليل يكون مثل إعمال المبضع البارد في الجسد الجميل!
والجسد هنا حي غض ...
فعذرا يا مالك بن الريب، عذرا!!
2 - الشاعر عن موطنه بعيد، ومن أجله قريب ..
والأجل سابق للأمل ..
والأمل مختزل في ليلة واحدة يبيتها المحتضر في البلدة،لكن هيهات هيهات!
رمل وقلاص وغضا .. هذا هو الوطن كله .. ما أفقر الجغرافيا!
لكن الرمال والقلاص والغضا تملأ مسافات الشعور فلا تترك للشاعر أن يشتهي شيئا غيرها ... ما أعجب قلب الإنسان!
-لكل محكوم عليه بالإعدام رغبة أخيرة .. فما رغبتك الأخيرة يا مالك!
-أن أجري بوادي الغضا أسوق الإبل السريعة!!
" الغضى ": شجر ينبت في الرمل، ولا يكون غضى إلا في رمل. (قاله صاحب الخزانة)
الغضى- مثل الشاعر المحتضر- يستمد ماهيته من موطنه لا من ذاته ..
أنت غضى ... إذن أنت من الرمل في الرمل.
خارج الرمل أنت نبات فحسب لا اسم ولا مجد!!
3 - الشاعر مريض محموم ... يلهج بالغضا ...
الغضى ... في البيت الأول ..
الغضى .. الغضى .. في البيت الثاني
الغضى .. الغضى .. الغضى .. في البيت الثالث ...
شوق .. فحمى ... ثم هذيان ...
لَقَد كانَ في أَهلِ الغضى لَو دَنا الغَضا مَزارٌ وَلَكِنَّ الغضى لَيسَ دانِيا ..
الغضى مذكور في تنوع أسلوبي بليغ:
-في موضع الإثبات: لَقَد كانَ في أَهلِ الغضى مَزارٌ
-في موضع الشرط: لَو دَنا الغَضا
-في موضع النفي: وَلَكِنَّ الغضى لَيسَ دانِيا.
ولكل موضع أسلوبي ما يوازيه على صعيد الشعور:
استئناس بالماضي وحنين إليه، ثم أمل أو وهم أمل في الوصل به، ثم الرضوخ للواقع والانكسار تحت وطأة اليأس.
4 -
فَلَيتَ الغضى لَم يَقطَعِ الرَكبُ عرضه وَلَيتَ الغضى ماشى الرِّكابَ لَيالِيا ..
هي أمنية واحدة .. لكن الشاعر المهووس بالغضا يخرجها بوجهين:
هما غضى وركب ... ساكن ومتحرك.
فَلَيتَ الغضى لَم يَقطَعِ الرَكبُ عرضه
ليت المتحرك سكن ... !
وَلَيتَ الغضى ماشى الرِّكابَ لَيالِيا ..
ليت الساكن تحرك .. !
الغضى ثابت في مكانه .. فكان على الركب المتحرك أن يتنازل عن حركته ليساكن الغضى.
الركب متحرك في أماكنه .. فكان على الغضى أن يتخلى عن سكونه ويتعلم الحركة ليماشي الركب.
لكن أنى لهما المساكنة أو المماشاة! هل ينقلب الشيء إلى ضده!
هنا مكمن الفاجعة ..
مرة أخرى عفوا يا مالك بن الريب ...
ـ[يحيى ابن عبد الملك]ــــــــ[27 - 12 - 07, 06:46 ص]ـ
الأستاذ الفاضل جزاك الله خيرا
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[30 - 12 - 07, 07:53 م]ـ
6 - هل تذوقت شعر الأمير شوقي قط؟
برز الثعلب يوما في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا
ويقول:الحمد لله إله العالمينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك:عذرا يا أضل المهتدينا
بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا ..
سنقوم بإعراب بعض جمل النص .. إعرابا دلاليا وليس نحويا بطبيعة الحال والمقام.
برز الثعلب:
الجملة تعبير عن مفارقة:مفارقة بين الفعل والفاعل ... والقصيدة كلها مؤسسة على مفارقات .. فكأن شوقيا يسلم للقاريء مفتاح القصيدة من أول جملة ..
برز الثعلب: والثعلب من شأنه الاختفاء.
برز الثعلب: انتقال من حيز اللاظهور إلى حيز الظهور ... هذا وضع غير عادي فالمألوف أن ينتقل الثعلب من الظهور إلى اللاظهور ...
هو تنبيه من الشاعر الكبير لقارئه:
انتبه .. هنا أمر غير عادي ... ترقب ما سوف يحدث!!
شعار الواعظينا:
الشعار: علامة (في الحرب)
الشعار: الموت.
الشعار: الثوب الذي يلي شعر الجسد.
¥