تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يسألون، ولو جاء الناس فصوتوا وجاءت أغلبيتهم على رفض هذه اللغة؛ فإن ذلك لا يقلل نفوذها، ولا يقلل القبول الذي جعل الله لها؛ لأنه اصطفاء من عند الله لا يستطيع الناس رفضه ولا تجاهله، ومن هنا فإن الغربيين الذين يفخرون بلغاتهم، ويزعمونها اللغات العالمية المسايرة لتطور العالم، لا يزال فيهم من مثقفيهم وقادتهم وعلمائهم من يتخصص في دراسة اللغة العربية، ويخصص وقته لها. وفي العصر الماضي اشتهر عدد كبير من هؤلاء، مثل بروكلمان، ومثل يوسف شخت من كبار المستشرقين الذين عنوا باللغة العربية، ونشروا كثيراً من مخطوطاتها، ودرسوها وحفظوا كثيراً من أشعار العرب، وصرح كثير منهم بأن هذه اللغة لا تعدلها أي لغة، وأذكر أننا في العام الماضي قابلنا أحد المستشرقين الكبار في جامعة في سكوتلاند في شمال بريطانيا، فذكر أنه قد خلد شهادته بأن اللغة العربية لا تعدلها لغة ولا تساويها في السمو والارتقاء، ولا في الذوق، ولا في الاتساع، وأنه كتب هذه الشهادة في جامعته وخلدها قبل ثلاثين سنة، وهذا كلام الأعداء، والحق ما شهدت به الأعداء.

إننا في بحثنا في أهمية أي شيء ننظر فيه من ناحية الحكم الشرعي، ثم من ناحية الفائدة والمصلحة البشرية، فلنبدأ أولاً بحكم الشرع في لغة العرب، وتعلمها فنقول:

إن الله سبحانه وتعالى قد فرض على كل من آمن به تعلم جزء من العربية، وبهذا تكون العربية فرض عين على كل إنسان بقدر ما يقيم به ألفاظ الفاتحة، وبقدر ما يتقن به التكبير والتشهد والسلام في الصلاة، فهذا القدر من العربية فرض عين على كل مسلم، ولا يسع مسلماً جهله. وهذا القدر اختلف الناس في تحديده؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، والناس تتباين رؤاهم في تحديد هذا القدر الذي هو أقل ما يخاطب به الإنسان من تعلم العربية، فقال قوم: لا بد أن يصل إلى مستوى يفهم به ألفاظ الفاتحة، وألفاظ التشهد، وألفاظ الدعاء المأمور به على سبيل الوجوب، وكذلك ألفاظ الأذكار التي تجب مرة في العمر بالتهليل والاستغفار، والتسبيح والتحميد وغير ذلك، فيجب عليه أن يتعلم معانيها بالعربية، وهذا القول هو الراجح، ومن القائلين به مالك و الأوزاعي و سفيان الثوري، وغيرهم من كبار علماء السلف، فرأوا أنه يجب على الإنسان المسلم أن يتعلم معاني هذه الكلمات؛ لأنه لو قال: لا إله إلا الله دون أن يفقه معناها، فيمكن أن تلقن هذه الكلمة لأي إنسان، ولا يلزم بمقتضياتها، ولذلك فإن شهادة أن لا إله إلا الله لها أربع مقتضيات، من لم يحقق هذه المقتضيات الأربع فليس شاهداً أن لا إله إلا الله: فالمقتضى الأول: هو العلم بمعناها. والمقتضى الثاني: هو مقتضى القول: أن ينطق بذلك؛ لأنها مشروطة على القادرين، فلا يدخل الإنسان الإيمان وهو قادر على النطق إلا إذا نطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. المقتضى الثالث: هو أن يلتزم بحقوقها التي يقاتل عليها من تركها: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها). المقتضى الرابع: هو الإلزام بها، وهو أن يسعى الإنسان لنشر لا إله إلا الله، وتوسيع دائرة القائلين بها، وإلزام الناس بها. فهذه المقتضيات الأربع هي مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله، وقد توسع بعض المتأخرين من المتكلمين في هذا الباب، فقد ذكر عليش في شرحه لأم البراهين في العقائد الأشعرية للسنوسي: أن من لم يفهم ما تتناوله شهادة أن لا إله إلا الله من العقائد، وهو خمسٌ وستون عقيدة على مقتضى عد المتكلمين؛ فإنه لم يؤد مقتضياتها. وهذا تشدد ومبالغة لا محالة، ولكنه يدلنا على أهمية فهم شهادة أن لا إله إلا الله، فإذا كان بعض أهل العلم يرون أنك إذا لم تحقق مقتضياتها جميعاً وهي خمسٌ وستون عقيدة، فمعنى ذلك أنك لم تفهمها؛ فهذا يدلنا على أهمية تعلم اللغة التي يفهم بها معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وإن الذي يدعو وهو لا يفهم ما يدعو به، أو يثني على الله وهو لا يفهم معنى ما يثني به، لا يمكن أن ينال أجر ما يقول؛ لأن الصلاة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها ... )، حتى انتهى إلى العشر؛ لأنه لا يكتب له منها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير