لَكِنْ أَنَا رَاحِلٌ فِي غَيْرِ مَا سَفَرٍ ... رَحْلِي دَمِي ... وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَبُ
إِذَا امْتَطَيْتَ رِكَابَاً لِلنَّوَى فَأَنَا ... فِي دَاخِلِي ... أَمْتَطِي نَارِي وَاغْتَرِبُ
قَبْرِي وَمَأْسَاةُ مِيلاَدِي عَلَى كَتِفِي ... وَحَوْلِيَ العَدَمُ المَنْفُوخُ وَالصَّخَبُ
«حَبِيبُ» هَذَا صَدَاكَ اليَوْمَ أَنْشُدُهُ ... لَكِنْ لِمَاذَا تَرَى وَجْهِي وَتَكْتَئِبُ؟
مَاذَا؟ أَتَعْجَبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَرِي؟ ... إِنِّي وُلِدْتُ عَجُوزَاً .. كَيْفَ تَعْتَجِبُ؟
وَاليَوْمَ أَذْوِي وَطَيْشُ الفَنِّ يَعْزِفُنِي ... وَالأَرْبَعُونَ عَلَى خَدَّيَّ تَلْتَهِبُ
كَذَا إِذَا ابْيَضَّ إِينَاعُ الحَيَاةِ عَلَى ... وَجْهِ الأَدِيبِ أَضَاءَ الفِكْرُ وَالأَدَبُ
* * * * *
وَأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْلَ الأَرْبَعِينَ عَلَى ... نَارِ «الحَمَاسَةَ» تَجْلُوهَا وَتَنْتَحِبُ
وَتَجْتَدِي كُلَّ لِصٍّ مُتْرَفٍ هِبَةً ... وَأَنْتَ تُعْطِيهِ شِعْرَاً فَوْقَ مَا يَهِبُ
شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ «وَالٍ» إِلَى «مَلِكٍ» ... يَحُثُّكَ الفَقْرُ ... أَوْيَقْتَادُكَ الطَّلَبُ
طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ «الموصِلِ» انْطَفَأَتْ ... فِيكَ الأَمَانِي وَلَمْ يَشْبعْ لَهَا أَرَبُ
لَكِنَّ مَوْتَ المُجِيدِ الفَذِّ يَبْدَأه ... وِلادَةً مِنْ صِبَاهَا تَرْضَعُ الحِقَبُ
* * * * *
«حَبِيبُ» مَا زَالَ فِي عَيْنَيْكَ أَسْئِلَةً ... تَبْدُو ... وَتَنْسَى حِكَايَاهَا فَتَنْتَقِبُ
وَمَاتَزَالُ بِحَلْقِي أَلْفُ مُبْكِيَةٍ ... مِنْ رُهْبَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِي وَتَضْطَرِبُ
يَكْفِيكَ أَنَّ عِدَانَا أَهْدَرُوادَمَنَا ... وَنَحْنُ مِنْ دَمِنَا نَحْسُو وَنَحْتَلِبُ
سَحَائِبُ الغَزْوِ تَشْوِينَا وَتَحْجِبُنَا ... يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِنْ إِرْعَادِنَا السُّحُبُ؟
أَلاَ تَرَى يَا أَبَا تَمَّامَ بَارِقَنَا ... إِنَّ السَّمَاءَ تُرَجَّى حِينَ تُحْتَجَبُ
ـ[عبدالرحمن الخطيب]ــــــــ[12 - 08 - 10, 03:08 م]ـ
قصيدة أكثر من رائعة، يحار اللسان في وصفها، وتعجز الكلمات عن الثناء عليها.
وحال العرب اليوم يقول:
قل لي حبيب متى تأتي بوارقنا ... وهل ستمطر من إرعادنا السحب
أرى سماء خصوم العُرْب صافية ... وليتها بسواد السحب تحتجب
ـ[الكهلاني]ــــــــ[13 - 08 - 10, 03:40 م]ـ
قصيدة أكثر من رائعة، يحار اللسان في وصفها، وتعجز الكلمات عن الثناء عليها
هذه مبالغة فاحشة, والذي أراه أن بينها وبين قصيدة أبي تمام كما بين التراب والتبر.
ـ[عبدالرحمن الخطيب]ــــــــ[14 - 08 - 10, 04:55 م]ـ
أخي الكريم (الكهلاني) الأدب والشعر ذوق لا علم ومن ثَم فهو يختلف من شخص إلى آخر فلي حرية التعبير عن ذائقتي وليس لك أن تمنعني من ذلك أو أن تصف كلامي بالمبالغة الفاحشة قل أنها لم تعجبك وكفى.
ويكفيني في هذه القصيدة أن الشاعر استطاع أن يصف الحال التي نحن عليها بكل تفاصيلها في قالب شعري فاخر مطرز بالثقافة الإسلامية فانظر إلى روعة المدخل كيف تبرز فيه عاطفة الأسى والحزن و بث الحياة في الجمادات:
مَاذَا جَرَى .. يَا أَبَا تَمَّامَ تَسْأَلُنِي؟ ... عَفْوَاً سَأَرْوِي .. وَلا تَسْأَلْ .. وَمَا السَّبَبُ
يَدْمَى السُّؤَالُ حَيَاءً حِينَ نَسْأَلُُه ... كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى «حَيْفَا» أَوِ «النَّقَبُ»
ثم انظر إلى هذه المقارنة ففيها ما فيها من جلد الذات والتحريض على الاقتداء بالبواسل السابقين ورفض الطأطأة والانقياد للعدو والتي نظمها في قوله:
تِسْعُونَ أَلْفَاً «لِعَمُّورِيَّة َ» اتَّقَدُوا ... وَلِلْمُنَجِّمِ قَالُوا: إِنَّنَاالشُّهُبُ
قِيلَ: انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَا انْتَظَرُوا ... نُضْجَ العَنَاقِيدِ لَكِنْ قَبْلَهَا الْتَهَبُوا
وَاليَوْمَ تِسْعُونَ مِلْيونَاً وَمَا بَلَغُوا ... نُضْجَاً وَقَدْ عُصِرَ الزَّيْتُونُ وَالعِنَبُ
تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِي نَارَ نَخْوَتِهَا ... إِذَاامْتَطَاهَا إِلَى أَسْيَادِهِ الذَّنَبُ
وإن أردت التحليق في سماء الأخيلة المبتكرة والمجازات الطريفة فاقرأ أبياته في وصف حال بلاده اليمن.
أما إن أردت أن أسطر لك عن الأبيات التي أسرتني بجمالها فهي كثيرة و إليك منها:
مَاذَا أُحَدِّثُ عَنْ صَنْعَاءَ يَا أَبَتِي؟ ... مَلِيحَةٌ عَاشِقَاهَا: السِّلُّ وَالجَرَبُ
«حَبِيبُ» تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْفَ أَنَا؟ ... شُبَّابَةٌ فِي شِفَاهِ الرِّيحِ تَنْتَحِبُ
قَبْرِي وَمَأْسَاةُ مِيلاَدِي عَلَى كَتِفِي ... وَحَوْلِيَ العَدَمُ المَنْفُوخُ وَالصَّخَبُ
«حَبِيبُ» هَذَا صَدَاكَ اليَوْمَ أَنْشُدُهُ ... لَكِنْ لِمَاذَا تَرَى وَجْهِي وَتَكْتَئِبُ؟
وَاليَوْمَ أَذْوِي وَطَيْشُ الفَنِّ يَعْزِفُنِي ... وَالأَرْبَعُونَ عَلَى خَدَّيَّ تَلْتَهِبُ
ثم خاتمة في غاية الجمال يكفيني منها بيت واحد وهو:
وَمَاتَزَالُ بِحَلْقِي أَلْفُ مُبْكِيَةٍ ... مِنْ رُهْبَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِي وَتَضْطَرِبُ
أخيراً كلي ثقة بأننا لو بدلنا بين القصيدتين فجعلنا هذه لأبي تمام والأخرى لعبد الله البردوني لكان حكم الكثير مغاير عن الحكم الذي أصدره.