تسلية العليل المدنَف بضبط فعل اسْتَهْدَف
ـ[ابو عبد القوي]ــــــــ[27 - 09 - 10, 06:58 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلقه وأصحابه وآله ومن أتبع هداه.
أما بعد: فقد جرى على لساني في مجلس سمر قول من قال (من ألّف فقد اسْتَهْدَفَ) بالبناء للفاعل (للمعلوم)، فاعترض عليّ بعض الأفاضل، وقال كيف تنطقها كذلك؟ والصحيح أن تقول استُهدِف بالبناء للمفعول (للمجهول). فراجعته لكن دون طائل.
وبيانا لصحة ما قلت، ونفعا لإخواني كتبت هذه الورقات.
وأنا أعلم أن للمعترض من سعة الصدر ما يجعله ينقل هذه المراجعة من باب التنبيه إلى باب التنويه. وسميت هذه الورقات: تسلية العليل المدنَف بضبط فعل اسْتَهْدَف.
تنبيه
يستحسن التنبيه في روق هذه الورقات على أمرين:
الأول: إن لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا. والتخطئة في اللغة العربية من أصعب المجاشم، وطالما حذر العلماء من التسرع في ذلك، روى الفرّاء أن الكسائي قال: ((على ما سمعت من كلام العرب ليس أحد يلحن إلا القليل))، وقال الأخفش: ((أنحى الناس من لم يلحِّن أحدا)).
والثاني: إن مقالة من ألف فقد استهدف ليست من الخفاء وقلة الاستعمال بحيث يخفى ضبط ألفاظها، فهي كثيرة الدوران على الألسن حتى صارت مثلا سائرا وأدبا متوارثا.
ولشهرة هذه العبارة أحال الحريري في المقامات إليها دون ذكرها فقال: ((فذاكرته بما قيل فيمن ألف بين كلمتين ونظم بيتا أو بيتين)). وشارحو المقامات ذكروا أن المقصود عبارات منها (من ألّف فقد اسْتَهْدَفَ).
تاريخ مقالة من ألف فقد استهدف
لا شك أن هذه المقالة تضرب بعرق أصيل في القدم. قال البلوي في "الرحلة": ((وقديما قيل من ألف فقد استهدف)). وقد نسب الشيخ حماد الأنصاري هذه المقالة للسلف مطلقا ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn1)). ونسبها محمد بن داود لبعض الحكماء. وأما عن أول من قالها فقد ذكر الثعالبي، وجماعة أنها من كلام الجاحظ (توفي 255هـ)، وقال أبو حيان وغيره إنها من كلام المبرد (توفي سنة 286هـ).
وينسبها الكثير إلى الإمام عبد العزيز العتابي (توفي سنة هـ 240) روى ذلك عنه أبو الحسين المبارك بن الطيوري في" الطيوريات " والخطيب البغدادي في "الجامع".
والحق أنها من كلام هو أقدم ممن ذكر، فهذا العوتبي الإباضي في كتابه "ضياء الضياء" يجعلها من كلام إياس بن معاوية (توفي سنة 121)، وما أدري حال كتاب "ضياء الضياء" ومؤلفه، ولم ينسبها له غيره. والأقرب أنها من كلام ابن المقفع (توفي 142هـ). نقلها عنه القاضي أبو يعلى بن الفراء ذكر ذلك السخاوي في "فتح المغيث" وقبله المسعودي في "مروج الذهب". وتتابع الناس بعدُ على استعمالها وتوشيح مقدمات مصنفاتهم بها.
الفعل استهدف في لغة العرب
لا شك أن صحة ضبط كلمة استهدف تتوقف على فهم معناها، واستهدف صيغة من صيغ مزيد الفعل هدف الثلاثي، والهاء والدال والفاء كما قال ابن فارس: ((أصيل يدل على نصب وارتفاع. والهدف: كل شيء عظيم مرتفع)). وجملة معاني الفعل استهدف باستقراء أهم المعاجم هي الانتصاب والارتفاع والاستقبال والدنو.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: ((استهدف: أي انتصب، ومن ذلك أخذ الهدف لانتصابه لمن يرميه)).
وفي اللسان لابن منظور: ((وأهدف لك الشيء واستهدف انتصب يقال لكل شيء دنا منك وانتصب لك واستقبلك: قد أهدف لك الشيء واستهدف)).
وقال أيضا ((وأهدف لك الشيء واستهدف انتصب)).
وفي القاموس ((واستهدف: انتصب وارتفع))
وفي تاج العروس للزبيدي: ((واستهدف لك الشيء: دنا منك))
وفي الصحاح في اللغة للجوهري: ((واستهدف، أي انتصب. ويقال: ركب مستهدف، أي عريض)).
وفي الأساس للزمخشري: ((واستهدف: انتصب وأعرض)).
وهذه المعاني كما ترى تناسب ضبط الفعل استهدف بالبناء للفاعل.
الفعل استهدف في الجمهرة لابن دريد
وأنا أتتبع مادة هدف في المعاجم وجدت في كتاب "الجمهرة": ((واستهدفت عرض فلان، إذا سبعته ووقعت فيه)).
¥