تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قواعد الإملاء، هؤلاء هم أصحاب الحل الوسط الذين يمثلون في هذه المؤامرة عضو العصابة الَّتِي تَنْحَصِرُ مُهِمَّته في التظاهر أمام الضحية بالشفقة عليه، والحرص على مصلحته لتسكن نفسه إليه فرارًا من حَملة السكاكين الذين يتهدَّدُونَهُ، والواقع أنَّهُمْ جميعًا على سواء، فالمسألة لا تَحْتَمِلُ حلاًّ وسطًا .. إمَّا أن نَتَمَسَّك بِدِيننا وبِوَحدتنا، فنتمسك بالعربية؛ كتابة ولغة ونحوًا وأدبًا وثقافة، وإمَّا أن نُسْقِطَ هذه الاعتبارات من حسابِنا، وعند ذلك يستوي أن يكون الذي نعدل إليه هو هذا أو ذاك مما يقترحون.

ولعلَّ أسلوب فكري أباظة من أصلح الأمثلة على ما أقول، خذ مثلاً مقاله "التقليد زم" [35] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn35)، الذي يسخر فيه من المتفرنجين، فيقول فيما يقول:

"دعنا من هذا وانتقل بنا إلى الاجتماعيات، وتعال معي نحدق ونحملق في ذلك الطالب الصعيدي (القحف)، الذي أبى إلا أن يقلد (الخواجات)، فطرح الطربوش و (زِرَّ) الطربوش، ووضع على شعره (الأكرت)، ورأسه التي أخذت في عالم الهندسة شكل (الشبه منحرف) البرنيطة أو (الكسكتة)، هل تفرق بينه وبين بائعي الإسفنج ومساحي الأحذية من الأرمن (وجرسونات) القهاوي بعد (التشطيب) وبائعي اليانصيب، والفارين من الخدمة العسكرية؟!! ".

"ثم انظر إليه وقد أبت سليقته وطبيعته وخلقته إلا أن (يزحلقها) كما (يزحلق) الطربوش، فظهرت من تحت حوافيها (القصة) البلدي، (البولاقي) وظهر من تحتها وجه (كالفرمة)، أو (كالطرة) لا تستطيع فك رموزه أو حل طلاسمه؟!! ".

"فإن لم تعجبك هذه (التقليعة)، فتعال معي أفرجك على أستاذ من طلبة دار العلوم، هجر الجبة والقفطان والمركوب والعمة، ودخل في (البنطلون) واحتل الطربوش رأسه (الزلطة) .... نمرة 1 ... واختفت ربطة (البمباغ) داخل الياقة الواسعة ... فإذا سار هرول، وإذا أكل (شمر)، وإذا شرب (مصمص) وإذا جلس جلس القرفصاء، وإذا هب (زي الناس) احتاس، كل هذا العناء لأنه يريد أن يقلد (الأفندية) رغم أنف حالته الطبيعية والمعنوية".

"فإن لم يكفك ما قدمت من سخافات التقليد، فتعال اجلس مع أصدقائك المصريين الحاضرين حديثًا من إنكلترا، وانظر كيف يتكلفون الجلسة، والنغمة وكيف يطلبون (الشاي) في الميعاد، وكيف يكتفون بوضع قطعة سكر واحدة في الفنجان، وأقسم لك بكل عزيز لديك أنَّهم يكرهون الشاي، ويودون لو شحنوا الفنجان بقطع السكر التي أمامهم لولا (الملامة)! "

"وتعال انظر أحدهم وقد تزوَّج من (لندن) ثم حضر إلى القاهرة مع زوجته، مقلدًا الزوج الأجنبي في المعاملة، والمجاملة، والقيام، والجلوس ... كل هذا في خارج المنزل، فإذا استطعت أن تدخل معهما داخل المنزل سمعت بأذنيك كل أصناف وأنواع (الردح) الأصلي، ورأيت بعينيك كيف يهوي (بالكفوف) و (اللكاكيم) على الوجه والصدر، ثم إذا أردت إلقاء نظرة سطحية على مسكن الزوج المقلد المتفرنج وجدت (الشلت) و (الكتاكيت) في الصالة ... ووجدت (الوالدة هانم) الحاجة (ست أبوها) تخرط الملوخية، أو (تقمع) البامية ... والعاقبة عندكم في المسرات".

فالخطر في مثل هذا الأسلوب خفي غير واضح، والأسلوب بعد ذلك خفيف مستملح يستهوي القارئ، ولكن المقال مع ذلك لا يكاد يفهمه أو يتذوقه من العرب غير المصري.

إن الخطر في هذه الدعوات ليس في العامية نفسها ولا هو في الحروف اللاتينية بعينها، ولكنه في قبول مبدأ التطوير، فالذين يجتمعون اليوم على تكلم عربية واحدة فصيحة، ويلتزمون فيها قواعد موحدة، لغة وكتابة، إذا سلموا بمبدأ التطوير وأخذوا فيه، فسوف لا يتفقون على سبيل واحد يسلكونه في ذلك، وسيذهب كل واحد منهم مذهبًا يغاير مذهب الآخر، ثم إنهم سوف لا ينتهون في ذلك عند حد معين تنتهي عنده سعة الخلف بين اللغات الجديدة، الناشئة عن قبول مبدأ التحرر من القواعد؛ لأنَّ التَّمسُّك بِها والتزام طريقها هو العامل الوحيد الذي ضبط تطور العربية وصان وحدتَها خلال أربعة عشر قرنًا، فأصبح القرآن بفضل ذلك؛ وكأنه أنزل فينا اليوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير