تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قد أصبحت شيئا قديمًا لا يلائم حياتنا، ولا يتَّصل بها، والجانب الهدام من هذه الدعوة هو أنَّها تؤدِّي – من حيث يعرف أصحابها ومن حيث لا يعرفون – وأكبر ظنِّي أنَّ أكثرهم لا يعرفون – إلى تفريق المجتمع العربي، بل الإسلامي الذي يلتقي عند الاشتراك في مناهج دراسة العربية وتذوق أساليبها، فليس في العرب كلهم واحد لا يعرف الأعلام الشامخة في الأدب العربي القديم مثل زهير، والنابغة، والأعشى، وحسان، وجرير، والفرزدق، والأخطل، وأبي تمام، والمتنبي، والمعري؛ وليس فيهم واحد لا يقع هؤلاء من نفسه موضع الإكبار، والإجلال، والتوقير، وكل العرب يسمون الفاعل فاعلاً، ويسمون المفعول به مفعولاً، ويسمون كل باب من أبواب النحو باسم واحد، ويسمون التشبيه تشبيها، والاستعارة استعارة، ويسمون كل باب من أبواب البلاغة باسمه.

فإذا انصرف الناس عن دراسة الأدب القديم، وذَهَبَ كُلُّ واحد منهم مذهبه في دراسة آداب بلاده أو في دراسة الآداب الحديثة، أو ما يُسَمَّى بالآداب الشعبية، لم يبق هناك قدر مشترك بين ثقافات الجيل القادم من العرب بل المسلمين.

وهذا القدر المشترك منَ الثَّقافة هو الَّذي يكوِّن القدر المشترك من الذوق ومن التفكير، الذي لا تفاهُم ولا تواصُل بغيره، وإذا انصرف الناس عن دراسة علوم الآداب العربية القديمة؛ كالنحو والبلاغة، وجَرَوْا وَراءَ كُلِّ ناعق يزعُم أنَّ القواعد القديمة معقَّدة، وذهب كل منهم مذهبه في استنباط قواعد جديدة، وتسمية المسميات بأسماء مبتكرة، لم يفهم أحدهم عن الآخر، فإذا اختلف مصري وحجازي مثلاً في ضبط كلمة من الكلمات فتحاكما إلى قواعد اللغة، وقال الحجازي هذا فاعل، لم يفهم عنه الذي لا يُسَمِّي الفاعل فاعلاً؛ ولكنَّه يُسَمِّيه (موضوعًا) أو (أساسًا) أو (مسندًا إليه)، بحسب اقتراح إحدى لجان وزارة المعارف المصرية [31] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn31)، وإذا قال أحدهما هذا منصوب لأنه حال، أو تمييز، أو ظرف، أو مفعول مطلق، أو مفعول معه، أو مفعول لأجله، لم يفهم الآخر الذي لا يميز بين حالة من هذه الحالات، لأنه يسميها جميعًا (تكملة)، وقس على ذلك سائر قواعد النحو والبلاغة [32] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn32).

ذلك هو ما يعلل لنا عِناية الأوروبيين بتوجيه العرب في دراساتهم الأدبية هذه الوجهة، وصرفهم عن العناية بالأدب القديم، ودعوَتهم علماءَهم ومفكِّريهم لإلقاء المحاضرات، وتأليف الكتب، وشهود المؤتمرات، التي تعين على تقوية هذا الاتجاه، بعد أن يقترحوا عليهم موضوع ما يدعونهم لإلقائه وتأليفه من بحوث، أو محاضرات، أو كتب.

كانت هذه الدعوات الهدامة كلها تستهدف غايتين:

1 – تفريق المسلمين عامَّة، والعرب خاصَّة، بتفريقهم في الدين، وتفريقهم في اللغة، وتفريقهم في الثقافة، وقَطْعِ الطَّريق على توسُّع اللغة العربية المُحتمل بين مسلمي العالم، حتى لا تتم وحدتهم الكاملة [33] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn33).

2 – قطع ما بينهم وبين قديمهم، والحكم على كتابهم (القرآن) وكل تراثهم بالموت، لأنَّ هذا القديم المشترك هو الذي يربطهم، ويضمُّ بعضهم إلى بعض.

وليس الخطر الكبير في الدعوة إلى العامِّيَّة، ولا هو في الدعوة إلى الحروف اللاتينية، فمثل هذه الدعوات ظاهر الخطر، وأصحابها من مغفلي الهدامين؛ ولكن الخطر الحقيقي هو في أنصاف الحلول، الخطر الحقيقي في الدعوات التي يتولاها خبثاء الهدامين، ممن يخفون أغراضهم الخطيرة ويضعونها في أحب الصور إلى الناس، ولا يطمعون في كسب عاجل، ولا يطلبون انقلابًا كاملاً سريعًا، ولكنهم يقنعون بالتحول الهادئ الذي أشار إليه Gibb ، حين وصف تطور المجتمع الإسلامي المصري بأنه يسير سيرًا هادئًا تدريجيًّا لا يكاد يسترعي الانتباه [34] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn34)، الخطرون من خبثاء الهدَّامين هم الذين يزعمون أنهم مشفقون على العربية، وأنهم يحمونها من خطر الداعين إلى العامية وإلى كتابتها باللاتينية؛ ولذلك فهم لا يطالبون إلا بتطعيمها بالعامية، ولا يطلبون بأكثر من تعديل بعض قواعدها، ولا يذهبون إلى استبدال الحروف اللاتينية بحروفها، ولكنهم يَقْترحون تغيير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير