زعمُوا أنه يؤتَى بالفاصلة المنقوطة بين الجمل الطويلة، وقبل الجملة التي تكون سببًا لما قبلَها، أو مسبَّبةً عنه. وهذا باطلٌ.
أمَّا الجمَل الطويلةُ، فليس لها حدٌّ ينتهَى إليه أولاً، ثمَّ لا علةَ لها معقودةً بالغرضِ الرئيسِ ثانيًا، إذْ كيفَ كان الطُّول، والقِصَر من مَّا يُعتدُّ به في بيانِ العلائقِ بينَ الجُمَلِ، فقد تكونُ الجملةُ الطويلةُ متعلِّقةً بما قبلَها غيرَ منفكّةٍ عنه، كما تقول: (محمدٌ يقرأ كل يومٍ سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام .... ، ويصوم اليوم الأول، والثاني، والثالث ... من كل شهر). وقد تكونُ الجملة القصيرة مقطوعة الصِّلة بما قبلَها، نحو (زيدٌ عالمٌ. وعَمْرٌ جاهلٌ).
وكذلك زعمُهم أنه يؤتَى بها قبل الجملة التي تكون سببًا لما قبلَها، أو مسبَّبةً عنه. فإنَّ هذه العِلَّة لا بدَّ أن يكونَ لها اتِّصالٌ بالغرضِ الرئيسِ من وضعِ العلاماتِ، وهو بيان العَلائقِ. ولا فائدةَ من تخصيص هذا الأمر بعلامةٍ. والوجه في ذلك أن يُسبَق بالفاصلة غير المنقوطة لأنه تعليلٌ، كما بُيِّن آنفًا.
جِماعُ الخلل الواقع في هذا البابِ:
1 - ردُّ قواعدِ الترقيم إلى غير العِلة الأولى كما فعل أحمد زكي حين ردَّها إلى الوقف، أو كردِّها إلى الطُّولِ، والقِصَر، أو عدمُ ردِّها إلى علةٍ البتةَ كما يفعلُ أكثرُهم. والصوابُ أن تُردَّ إلى النَّحو لاطِّرادِ أحكامِه، ولكونِه الأصلَ الذي ينبني عليه كثيرٌ من المسائلِ كمعرفة الوقفِ، وأنواعِه.
2 - بناء القواعد على أمورٍ لا حدَّ لها كالطول، والقِصَر.
3 - الاجتزاء ببعضِ ما ينشقُّ عن العِلَّة الأولَى، كاجتزائهم بالسببية، والمسبَّبية، وتركِهم مواضعَ أخرَى توجد فيها العِلَّة نفسُها.
4 - مخالفةُ القاعدةِ الرئيسة عن القواعد الفرعيَّة كما فعلَ أحمد زكي حيثُ زعمَ أن الفاصلة غير المنقوطة تكون بين الجمل التي يكون بينها ارتباط في المعنى، لا في الإعراب. ثمَّ ذكرَ من مواضعها أن تكون بين الجمل المعطوف بعضها على بعض، نحو (خير الكلام ما قل ودلَّ؛ ولم يطُل فيمل). والصواب أنَّ جملة (ولم يطُل فيمل) متعلقة بما قبلها في الإعراب، والمعنَى، إذ كانت معطوفة عليها.
إلى غيرِها من التناقضات.
ومنها أن بعضَهم يضعُ هذه الفاصلة قبلَ (لأنَّ) نحو قولك: (أتيت إليك؛ لأني أحبك). وهذا خطأ بالنظر إلى ما قعدوا. وذلك أنَّ (لأنَّ) وما بعدها في تأويل مفرَدٍ، لا جملةٍ. وهم إنما يَرون وضع هذه الفاصلة قبلَ الجملةِ التي تكونُ سببًا لما قبلَها، وليس قبلَ المفرَد.
والحديث أوسعُ من ذلك شُعوبًا، وأطولُ ذيولاً. وإنما ذكرتُ ما لا بُدَّ منه.
ـ[أبو عبدالعزيز الحنبلي]ــــــــ[29 - 07 - 10, 08:36 م]ـ
فتح الله عليك أستاذ فيصل،،،
لقد امتعتنا بهذا التحرير المفيد ..
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[29 - 07 - 10, 11:10 م]ـ
شكر الله لك أخي المنصور: استفدت مما كتبت , فجزاك الله خيرا.
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[29 - 07 - 10, 11:45 م]ـ
بارك الله فيكم
1 - ردُّ قواعدِ الترقيم إلى غير العِلة الأولى كما فعل أحمد زكي حين ردَّها إلى الوقف، أو كردِّها إلى الطُّولِ، والقِصَر، أو عدمُ ردِّها إلى علةٍ البتةَ كما يفعلُ أكثرُهم. والصوابُ أن تُردَّ إلى النَّحو لاطِّرادِ أحكامِه، ولكونِه الأصلَ الذي ينبني عليه كثيرٌ من المسائلِ كمعرفة الوقفِ، وأنواعِه.
إذا رددناه إلى النحو لما جاز لنا أن نقول: ذهب عمرو، وزيد، وزحل ... الواو والفاصلة لا يلتقيان وهما بمعنى واحد.
وكذلك الفاصلة المنقوطة لا تجتمع مع لأن أو الفاء الرابطة للجواب ... وفي هذا تحجير، والعلامات يستعملها المبتدئ والمنتهي.
بخصوص الفاصلة المنقوطة فأهم ضابط لاستعمالها - في رأيي المتواضع - هو أن تكون فيما دون النقطة وأعلى من الفاصلة، لا في الجملة التي ذهب معناها فنحتاج إلى نقطة ولا في الجمل المترابطة معنى ولفظا فنحتاج إلى فاصلة؛ فهي فاصلة منقوطة!
في التطبيق وضعت للجملة المترتبة على الأخرى أو للفصل بين الجمل الطويلة وكلاهما مخرج على الضابط؛ فإذا انفصلت الجمل لفظا ومعنى كانت النقطة، وإذا ارتبطت معنى دون اللفظ فالأحسن استعمال الفاصلة المنقوطة، وكذلك حين يلتبس المعنى أهو سبب ومسبب أو غير ذلك؟ فرق بها.
وهناك من لا يرى استعمال الفاصلة حتى، ويستعيضها بالرجوع للسطر ... فالأمر واسع؛ حيث لو استعمل كل امرئ اصطلاحا خاصا به لم يضر؛ لكن الانخراط في آراء المجمعات العلمية العالمية أوفق وأقرب، والله أعلم.
ـ[خليل الفائدة]ــــــــ[30 - 07 - 10, 04:31 ص]ـ
ما شاء الله، تبارك الله.
جزاك الله خيراً أستاذنا أبا قُصَيّ.
بحثٌ نافعٌ، أسأل الله أن يرفع عنك، ويكشف ضرّك، وييسر أمرك.
____
اللهمَّ أضرمِ الحربَ بين الأستاذ فيصل، والأخ إبراهيم الجزائري؛ لتتمخَّض الفائدة المرجوَّة:)
¥