وأما النَّضر بن شُمَيل المازنيّ: فإنّه لزمَ الخليلَ بن أحمد أعواماً، وأقام بالبصرة دهراً طويلاً. وكان يدخُل المِرْبَد وَيلقى الأعراب ويستفيد من لغاتهم وقد كتب الحديثَ ولقيَ الرِّجال. وكان ورِعاً ديِّناً صدوقاً. وله مصنفاتٌ كثيرة في (الصفات) و (المنطق) و (النوادر). وكان شِمْر بن حَمْدُويةَ صرفَ اهتمامه إلى كتبه فسمِعها من أحمد بن الحَريِش، القاضي كانَ بَهرَاةَ أيام الطاهرية.
فما عَزَيت في كتابي إلى ابن شُميل فهو من هذه الجهة، إلاّ ما كان منها في تفسير (غريب الحديث)، فإنّ تلك الحروف رواها عن النضر أبو داود سُليمان بن سَلْم المصاحفي، رواها عن أبي داود عبد الصمد بن الفضل البلخي، ورواها لنا عن عبد الصمد أبو علي بن محمد بن يحيى القَرَّاب، شيخ ثقة من مشايخنا. وحملتْ نسختُه المسموعة بعد وفاته إليّ. فما كان في كتابي معزياً إلى النضر رواية أبي داود فهو من هذه الجهة
**- بن الاحمر
عليّ بن المبارك الأحمر: الذي يروِي عنه أبو عبيد
وما وقع في كتابي لأبي عبيد عن الأحمر فهو سماعٌ على ما بيّنتُه لك من الجهات الثلاث.
**ومنهم: أبو زكرياء يحيى بن زياد الفرّاء: وكان أخذ النحو والغريبَ والنوادر والقراءات ومعاني القرآن عن الكسائيّ، ثم برَّز بعده وصنَّف كتباً حساناً أملاها ببغداد عن ظهر قلبه.
ومن مؤلّفاته كتابه في (معاني القرآن وإعرابه)، أخبرني به أبو الفضل بن أبي جعفرٍ المنذريّ عن أبي طالب بن سلمة عن أبيه عن الفراء، لم يفُتْهُ من الكتاب كلِّه إلاّ مقدار ثلاثة أوراق في سورة الزخرف. فما وقع في كتابي للفراء في تفسير القرآن وإعرابه فهو مما صحَّ روايةً من هذه الجهة. وللفراء كتابٌ في (النوادر) أسمَعنيه أبو الفضل بهذا الإسناد. وله بعدُ كتبٌ منها كتابٌ في (مصادر القرآن)، وكتابٌ في (الجمع والتثنية)، وكتابٌ في (التأنيث والتذكير)، وكتابٌ في (الممدود والمقصور)، وكتابٌ يُعرَف بيافع ويَفَعةٍ. وله في النحو (الكتاب الكبير). وهو ثقة مأمون. قاله أبو عبيدٍ وغيره. وكان من أهل السُّنّة، ومذاهبه في التفسير حسنة.
**ومن هذه الطبقة: عمرو بن عثمان، الملقّب بسيبويه، النحويّ: وله (كتابٌ) كبير في النحو. وكان علاّمةً حسنَ التصنيف، جالس الخليل بن أحمد وأخذ عنه مذاهبَه في النحو، وما علمت أحداً سمع منه (كتابَه) هذا، لأنّه اخْتُضِرَ وأسرعَ إليه الموت. وقد نظرتُ في كتابه فرأيتُ فيه علماً جمًّا. وكان أبو عثمان المازنيّ وأبو عُمَر الجرميُّ، يحتذيان حذوَه في النحو، وربّما خالفوه في العَلَل. وكان سيبويه قدِم بغداد ثم عاد إلى مسقط رأسه بالأهواز فمات وقد نيَّف على الأربعين.
**ومنهم: عبد الرحمن بن بُزْرُج: وكان حافظاً للغريب وللنوادر. وقرأتُ له كتاباً بخطّ أبي الهيثم الرازيّ في (النوادر)، فاستحسنتُه ووجدتُ فيه فوائدَ كثيرة. ورأيتُ له حروفاً في كتب شِمْر التي قرأتُها بخطِّه. فما وقع في كتابي لابن بُزْرُجَ فهو من هذه الجهات.
... الطبقة الثالثة من علماء اللغة، منهم:
**
أبو عبيد القاسم بن سلاّم: وكان ديِّناً فاضلاً عالماً أديباً فقيهاً صاحبَ سُنّة، معنيًّا بعلم القرآن وسُنَن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والبحث عن تفسير الغريب والمعنى المشْكِل.
وله من المصنّفات في (الغريب المؤلَّف).
أخبرني المنذري عن الحسن المؤدّب أن المِسْعَريّ أخبره أنه سمع أبا عبيد يقول: كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنةً أتلقَّف ما فيه من أفواه الرّجال، فإذا سمعتُ حرفاً عرفتُ له موقعاً في الكتاب بتُّ تلك الليلةَ فرِحاً. قال: ثم أقبلَ علينا فقال: أحدكم يستكثر أن يسمعه منّي في سبعة أشهر
وأخبرني أبو بكر الإياديُّ عن شِمر أنه قال: ما للعرب كتابٌ أحسن من (مصنَّف أبي عبيد). واختلفتُ أنا إلى الإيادي في سماعه سنتين وزيادة، وكان سمع نسختَه من شِمر بن حَمْدُويةَ، وضبطه ضبطاً حسناً، وكتبَ عن شِمر فيه زيادات كثيرة في حواشي نسخته، وكان يُمْكنني من نسخته وزياداتها حتى أعارض نسختي بها، ثم أقرأها عليه وهو ينظر في كتابه.
¥