ولأبي عبيد من الكتب الشريفة كتابُ (غريب الحديث)، قرأته من أوّله إلى آخره على أبي محمد عبد الله بن محمد بن هاجَكَ وقلت له: أخبركم أحمد بن عبد الله بن جبلة عن أبي عبيدٍ فأقرَّ به. وكانت نسخته التي سمِعها من ابن جبلة مضبوطةً محكمة، ثم سمعت الكتاب من أبي الحسين المزَنيّ، حدّثنا به عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد إلى آخره قراءةً علينا بلفظه.
ولأبي عبيد كتابُ (الأمثال)، قرأته على أبي الفضل المنذريّ، وذكر أنه عَرَضَه على أبي الهيثم الرازيّ. وزاد أبو الفضل في هذا الكتاب من فوائده أضعاف الأصل، فسمِعنا الكتاب بزياداته.
ولأبي عبيد كتابٌ في (معاني القرآن)، انتهى تأليفه إلى سورة طه، ولم يتمَّه، وكان المنذريّ سمعه من علي بن عبد العزيز، وقُرىء عليه أكثره وأنا حاضر، فما وقع في كتابي هذا لأبي عبيد عن أصحابه فهو من هذه الجهات التي وصَفتُها.
** ومن هذه الطبقة: أبو عبد الله محمد بن زيادٍ المعروفُ بابن الأعرابيّ: كوفيّ الأصل. وكان رجلاً صالحاً ورعاً زاهداً صدوقاً.
وكان شِمر بن حَمْدويه جالس ابن الأعرابيّ دهراً وسمع منه دواوين الشعر وتفسير غريبها. وكان أبو إسحاق الحربيّ سمع من ابن الأعرابي، وسمع المنذري منه شيئاً كثيراً. فما وقع في كتابي لابن الأعرابي فهو من هذه الجهات، إلاّ ما وقع فيه لأبي عُمَر الورَّاق، فإن كتابه الذي سمَّاه (الياقوتة) وجَمَعَه على أبي العباس أحمد بن يحيى وغيره، حُمِل إلينا مسموعاً منه مضبوطاً من أوَّله إلى آخره. ونهضَ ناهضٌ من عندنا إلى بغداد، فسألته أن يذكر لأبي عُمَر الكتاب الذي وقع إلينا وصورتَه وصاحبَه الذي سمعه منه، قال: فرأيت أبا عُمر وعرَّفته الكتاب فعرَفه، قال: ثم سألته إجازتَه لمن وقَع إليه فأجازه. وهو كتابٌ حسن، وفيه غرائب جَمَّة، ونوادر عجيبة، وقد تصفّحته مراراً فما رأيت فيه تصحيفاً
*- اللحياني
وأخبرني أبو بكر الإياديّ أنه عرض (النوادر) الذي للِّحياني على أبي الهيثم الرازي، وأنه صححه عليه.
قلت: قد قرأتُ نسختي على أبي بكر وهو ينظر في كتابه. فما وقع في كتابي للِّحياني فهو من كتاب (النوادر) هذا.
* نُصَير بن أبي نُصَير الرازي
ومن هذه الطبقة: نُصَير بن أبي نُصَير الرازي: وكان علاّمةً نحوياً، جالسَ الكسائي وأخذ عنه النحو وقرأ عليه القرآن. وله مؤلفات حِسانٌ سمعها منه أبو الهيثم الرازي، ورواها عنه بهَرَاة. فما وقع في كتابي هذا له فهو مما استفاده أصحابنا من أبي الهيثم وأفادوناه عنه. وكان نُصيرٌ صدوقَ اللهجة كثير الأدب حافظاً، وقد رأى الأصمعي وأبا زيد وسمع منهما.
* عمرو بن أبي عمرو الشيباني
ومن هذه الطبقة: عمرو بن أبي عمرو الشيباني: روى كتابَ (النوادر) لأبيه، وقد سمعه منه أبو العباس أحمد بن يحيى، وأبو إسحاق إبراهيم الحربي، ووثَّقه كلُّ واحدٍ منهما. فما وقع في كتابي لعمرو عن أبيه فهو من هذه الجهة.
*- ومنهم: أبو نصر صاحب الأصمعيّ، والأثرم صاحب أبي عبيدة، وابن نجدة صاحب أبي زيد الأنصاري روى عن هؤلاء كلِّهم أبو العباس أحمد بن يحيى، وأبو إسحاق الحربي. فما كان في كتابي مَعزِيّا إلى هؤلاء فهو مما أُثبت لنا عن هذين الرجلين.
*- ومنهم: أبو حاتم السِّجِستاني:، وكان أحد المتقنين. جالس الأصمعي وأبا زيد وأبا عبيدة. وله مؤلفات حسانٌ وكتابٌ في (قراءات القرآن) جامعٌ، قرأه علينا بهَراةَ أبو بكر بن عثمان. وقد جالسَه شِمر وعبد الله بن مسلم بن قُتَيبة ووثَّقاه. فما وقع في كتابي لأبي حاتمٍ فهو من هذه الجهات. ولأبي حاتم كتاب كبير في (إصلاح المزال والمفسَد)، وقد قرأته فرأيته مشتملاً على الفوائد الجمَّة، وما رأيت كتاباً في هذا الباب أنبل منه ولا أكمل.
*- ومنهم: أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكِّيت: وكان ديناً فاضلاً صحيح الأدب، لقي أبا عمرو الشيباني، وأبا زكريا يحيى بن زياد الفراء، وأبا عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي، وأبا الحسن اللِّحياني. ولقي الأصمعيَّ فيما أحسب؛ فإنه كثير الذِّكر له في كتبه. وَيروِي مع ذلك عن فصحاء الأعراب الذين لقيهم ببغداد.
¥