وتكمُلُ أهمية الأدب: ارتباطه بفهم كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام واستدلال العلماء له, فالقرآن أنزل بلسان عربي مبين, فعربية القرآن وعربية النبي عليه الصلاة والسلام تمنع اعتراض المعترضين كما لا يخفى. والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداً, وأمثلتُهُ لا تحصَر.
((وقد ذكرَ الشيخ حفظه الله أمثلة كثيرة مشهورة فليراجع من أرادها)).
ثم إن علم الأدب له تأثير قويٌ في النفوس وتأثيراً, ولا أدلَّ على ذلك ما حصل من:
ج - المروي عن أحمد بن أبي داود القاضي أنه قال: ما رأيت رجلاً عرض على الموت فلم يكترث به إلا تميم بن جميل الخارجي! كان قد خرج على المعتصم ورأيته قد جيء به أسيراً فأدخل عليه في يوم موكب وقد جلس المعتصم للناس مجلساً عاما ودعا بالسيف والنطع فلما مثل بين يديه نظر المعتصم فأعجبه شكله!! وقده ورآه يمشي إلى الموت غير مكترث به فأطال الفكرة فيه ثم استنطقه لينظر في عقله وبلاغته!!
فقال: يا تميم إن كان لك عذر فأت به! فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين جبر الله به صدع الدين ولمَّ به شعث المسلمين وأخمد شهاب الباطل وأنار سبل الحق .. فالذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسن وتصدع الأفئدة وأيِّمِ الله لقد عظمت الجريمة وانقطعت الحجة وساء الظن ولم يبق إلا العفو وهو الأليق بشيمتك الطاهرة ثم أنشد:
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ... يلاحظني من حيثُ لا أتلفَّتُ
وأكثر ظنيّ أنك اليوم قاتلي ... وأيُّ امرىءٍ مما قضى الله يفلت
ومن ذا الذي يأتي بعذرٍ وحجةٍ ... وسيف المنايا بين عينيه مُصْلَت
وما جزعي من أن أموت وإنني ... لأعلم أنّ الموت شيءٌ موقّت
ولكن خلفي صبيةً قد تركتهم ... وأكبادُهُم من حسرةٍ تتفتَّت
كأنيّ أراهم حين أُنعى إليهمُ ... وقد لطموا تلك الخدود وصوّتوا
وإن عشت عاشوا سالمين بغبطةٍ ... أذود الردى عنهم وإن متُّ موِّتوا
وكم قائلٍ لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسرُّ ويشمت
قال: فبكى المعتصم وقال (إن من البيان لسحراً) ثم قال كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل وقد وهبتك لله ولصبيتك وأعطاه خمسين ألف درهم.
ج - أخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه، فقال: أيها الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك الحسنة هذه، ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول: أي ربِّ سلْ مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض، قال: فأعطوه مائة ألف. قال: بابي أنت وأمي، أشهد الله أن لابن قيس الرقيات خمسين ألفاً، قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
إنما مصعب شهاب من اللَّـ ... ـه تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت يخشى ولا كبرياء
يتقي الله في الأمور وقد ... أفلح من كان همّه الاتقاء
فضحك مصعب وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة، وأمره بلزومه وأحسن إليه، فلم يزل معه حتى قتل.
* وما ورد في قدح الشعر في القرآنِ والحديثِ فإنه لا تعارض بين النصوص إذا أمكن الجمع, ومما ورد في ذلك:
أ-عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- «خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا».فإنها يجاب عن ذلك بأمرين:
(1) جاء في بعض الروايات لأن يمتلئ جوف الرجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعراً. فالمقصود بالشعر كما قال أبو عبيد: الشعر الذي هجى النبي عليه الصلاة والسلام, وهجاء النبي كفرٌ!
(2) إذا غلب عليه الشعر فشغل عن أمور دينه قصر عليه عبادته وواجباته, وهذا التخريج أقوى.
ب_ وما ورد في القرآن قوله تعالى [وما علمناه الشعر وما ينبغي له] ففد أجاب عبد القاهر الجرجاني ردا قوياً, وأثبت أنه ليس المقصود ذم الشعر فإنه قال: وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن يعلم أن ليس المنع في ذلك منع تنزيه وكراهة بل سبيل الوزن في منعه عليه السلام إياه سبيل الخط حين جعل عليه السلام لا يقرأ ولا يكتب في أن لم يكن المنع من أجل كراهة كانت في الخط بل لأن تكون الحجة أبهر وأقهر، والدلالة أقوى وأظهر، ولتكون أكعم للجاحد، وأقمع للمعاند، وأرد لطالب الشبهة، وأمنع في ارتفاع الريبة. (دلائل الإعجاز).وإلا فإن الشعر قاله النبي –عليه الصلاة والسلام- وكان يرتجز به, وكذلك الصحابة والتابعون وأئمة السلف.
ج-قال تعالى [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)] والجواب عن هذا ما قاله تعالى بعد ذلك [إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)] فالمقصود بالذم من لم يكن على هذه السبل!!.
وسئل الشيخ: ما تجاه الطالب في جميل المنطق في كتب الأدب؟
ج: هذا الشيء مجود في جميع الفنون من العلم, وأسباب النسيان كثيرة:
(1) ما جاء عن الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يُهدى لعاصي
(2) تقييد الفوائد, فقد جاء عن الشافعي:
العلم صيد و الكتابة قيده ... قيِّد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الجهالة أن تصيدغزالة ... وتتركها وسط البراري طالقة
(3) تكرار الفائدة لفظاً, فإن التكرار يولد الإقرار, فقد ورد عن العلماء أنهم كانوا يحفظن الكتب كأسمائهم فما بالك في هذه الفوائد, وقد حدثنا الشيخ العلامة الددو أن الطلبة كانوا يعيدون الدرس أكثر من خمسين مرة.
* والدورة كلها مليئة بالفوائد والفرائد, أنصح جميع طلبة العلم بسماعها, وكان بودي تفريغ الدروس كلها إلاَّ أن في الصوت "خنَّة" لا أفهم لها كثيرا, إلا من امتلك برنامج "توضيح الأصوات".
¥