ومن ذلك تعلم أن استعمال العرب للإهداف والاستهداف في واد واستعمال المعاصرين لهما في واد آخر فالعرب تقول أهدف الشيء واستهدف بمعنى قرب وانتصب وصار أمامك، كالهدف الذي تتمكن من رميه إذا كان قريبا ومنتصبا أمامك أما استعمال المعاصرين فإنه يريدون به القصد إلى الشيء ومما يزيد ذلك وضوحا قول العلماء من (ألف فقد استهدفت) أي نصب نفسه هدفا للمنتقدين يرمونه بسهام نقدهم وكان قبل ذلك مستورا وقول أبي بكر رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن: لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك أي لو تمكنت من قتلك ما أبقيت عليك)).
كلام المتقدمين في بيان معنى استهدف في المثل
إن مما يعين في ضبط الفعل استهدف من مقالة من ألف فقد استهدف هو الرجوع لشروح أهل العلم لها. قال الزبيدي في "تاج العروس": ((وقولهم: من صنف فقد استهدف: أي انتصب وكل شيء رأيته استقبلك استقبالا فهو مهدف ومستهدف)).
وقال الفيومي في "المصباح المنير": ((ومن صنف فقد استهدف أي انتصب كالغرض يرمى بالأقاويل)).
وقال المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف": ((وقولهم من صنف فقد استهدف أي انتصب كالغرض يرمى بالأقاويل))
ضبط فعل استهدف بالبناء للمجهول
ليس أخي المعترض هو أبو عذر هذا الضبط للفظ استهدف في المثل بل درج جملة من المحققين على استعماله وضبطه كذلك، فهذا محمد عجاج الخطيب ضبطها كذلك بالبناء لما لم يسم فاعله في تحقيق كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب (2/ 429)
وكذلك ضبطها محققا كتاب "الطيوريات" دسمان يحي معالي - عباس صخر الحسن
ضبط فعل استهدف بالبناء للمعلوم
إن من الذين ضبطوا الفعل استهدف من قولهم (من ألّف فقد اسْتَهْدَفَ) كما تلفظت بها في المجلس أي بالبناء للمعلوم الدكتور مصطفى حجازي في تحقيق"تاج العروس" طبعة الكويت هذا مع مراجعة الكتاب من لجنة فنية من وزارة الإعلام الكويت. وكذلك ضبطها الأستاذ علي شيري في تحقيقه لتاج العروس طبعة دار الفكر.
وكذلك ضبطها الدكتور عباس الرحيلة المغربي مقال (من ألَّفَ فَقَدِ اسْتَهْدَفَ) نشر هذا المقال بمجلة المناهل وزارة الثقافة المغربية، عدد 69/ 70، ذو القعدة 1424هـ.
استهدف بالبناء للفاعل لتناسب الكلام وسجعه
إن المزية البارزة في الأمثال هي السجع في نظمه. وإن الفعل ألف و الفعل صنف في المثل مبنيان للمعلوم، فبناء الفعل استهدف للمعلوم إذن أنسب لتناسب الكلام وتناسق السجعة. ولو صغناه للمجهول لانكسر السجع وذهب رونق الكلام وماؤه.
المسلك المتبع في ضبط الألفاظ
ولما عرضت بعض ما كتبت على المعترض قال: (ما كتبته مجرد اجتهاد) وكأن صاحبي نقل هذه العبارة عن ابن المقفع بشهادة السماع المتصل؟ وأظن أن المعترض يوافقني على أن هذه السلسلة انقطعت من قرون. ومما يستحسن ذكره هنا أن عبد الغني الحافظ قال قرأت على القاضي أبي الطاهر الذهلي كتاب العلم ليوسف القاضي فلما فرغت قلت له قرأته عليك كما قرأته أنت، قال نعم إلا اللحنة بعد اللحنة. فقلت له أيها القاضي أفسمعته أنت معربا قال لا.قلت: هذه بهذه)) ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn8)).
وأنا لم أدع في ما لفظت دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو أجزت.
وكذلك ما أظن أن صاحبي وقف على العبارة مع نص أحد العلماء المتقدمين على حركاتها أو صياغتها وليس له من مستند فيما ارتآه إلا ضبطا لقلم بعض المحققين أو نطقا لبعض المتأخرين، وهذا كله لا حجة فيه لأنه معارض بمثله. فلم يبق له ولنا لمعرفة صحة ضبط العبارة إلا الاجتهاد بالرجوع إلى معاني الفعل في المعاجم وتطبيق قواعد اللغة. وهذا هو المسلك المتبع في ضبط اللغة. يقول العلامة محمود محمد شاكر: ((ولم يزل أئمتنا وعلماؤنا وأصحاب العقل من شيوخنا يردون الكلام المنقول المكتوب إلى العقل ـ بعد التحري للفظه المكتوب ـ اتقاءً لما عرفوه من تحريف الناسخين وانتحال المبطلين وغفلة الجاهلين. ونحن إنما نمضي على سنتهم ـ إن شاء الله ـ ولا نقف عند القول نخر عليه تعبدا لحرفه وخضوعا لنصه. ولئن فعلنا لمحق الله منا نصف العقل وبقي النصف الآخر مترددا بين قال فلان وكتب فلان)) ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn9)).
و قد حاولت جهدي التزام هذا المنهج في هذه الورقات. فإن كان الذي كتبت مقنعا فذاك، وإن كان غير ذلك فالأمر كما قيل: ومبلغ نفس عذرها مثل منجح.
الخاتمة
وأخيرا إذا استهدف غرض الاعتراض فارمه بنبال التأني، فقد كره العلماء القول الفطير. ومتى ظهر رأي فاتركه يغب حتى يختمر، فإن لابتداء الري فتنة وعُجباً، فإذا سكنت الطبيعة وهدأت الحركة، وتراجعت الأخلاط، وعادت النفس وافرةً؛ لا شك أنك ستعيد النظر وتقلب الرأي وتغزل وتنقض وتفتل وتنكث حتى يبلغ الرأي أناه؛ فهناك يسمع ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع مني التسليم.
والله الموفق
[/ URL]([1])" المجموع في ترجمة المحدث الشيخ حمَّاد الأنصاري" تأليف عبد الأول بن حماد الأنصاري (ص 564)
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref1)([2]) مقال (مسائل صرفيّة وما يعترض الكتّاب فيها من اللَبس والإشكال) لصلاح الدين الزعبلاوي منشور في "مجلة التراث العربي" دمشق العدد 54 شعبان 1414.
([3]) مقال) قل ولا تقل (عبد القادر الغنامي.
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref3)([4]) نشر هذا المقال بمجلة المناهل وزارة الثقافة المغربية، عدد 69/ 70، 1424هـ، (ص271 – 284).
([5]) مقال (مسائل صرفيّة وما يعترض الكتّاب فيها من اللَبس والإشكال).
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref5)([6]) نشر هذا المقال بمجلة "المناهل" عدد 69/ 70، ذو القعدة 1424هـ، (ص271 – 284).
([7]) مقال (من ألَّفَ فَقَدِ اسْتَهْدَفَ) مجلة "المناهل"
[ URL="http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref8"] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftnref7)([8]) " فتح المغيث" السخاوي (3/ 150).
([9]) "جمهرة مقالات الأستاذ محمود شاكر" 1/ 118.
¥