من غريب ما وقفت عليه أن الأستاذ عباس الرحيلة المغربي بعد أن ذكر العبارة قال: ((مما يوقعنا في العنت في ضبط العبارة المذكورة أن فعل استهدف جاء فعلاً لازماً في المعجم العربي، ولعله استعمل متعديا في بعض الأقوال؛ لأن المعجم العربي ما كان له أن يستوعب كلام العرب قاطبة)) ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn6)).
إنه لا عنت على من تتبع صنيع أهل اللسان والتزم بما عرف وتيقن من كون فعل استهدف جاء فعلاً لازماً في المعجم العربي. وقد بين الدكتور عباس الرحيلة المغربي نفسه أن استهدف المتعدي محل استدراك فقال: ((والفعل استهدف المتعدي مما استُدرك على المعجم العربي)) ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn7)).
وأما قوله (ولعله استعمل متعديا في بعض الأقوال) فمطية لكل قائل أن يتكلم بما شاء ويحتج بلعل. ومن جميل كلام ابن فارس: ((واللغات لا تجيء بأحسب وأظن)).
أسباب الوهم في ضبط استهدف في المثل
إن بناء الفعل استهدف في المثل (من ألّف فقد اسْتَهْدَفَ) بالبناء للمفعول (للمجهول) له جملة أسباب:
فالسبب الأساسي في هذا الوهم ظن القارئ أن معنى الفعل استهدف هو قذف وهذا لا نجده في المعاجم المعتبرة ولا نحصله في عبارات من تقدم، وقد سبق بيان ذلك.
ويرده سياق عبارة ابن المقفع: ((من وضع كتابا فقد استهدف، فإن أجاد فقد استشرف، وإن أساء فقد استقذف)). فإن استقذف جاء مسببا عن الاستهداف والمسبب غير السبب.
ومن أسباب هذا الوهم إيراد هذا المثل في ذم المؤلف مطلقا فيظن أن استهدف ترادف استقذف في المعنى، والصحيح أن مورد المثل في تعرض المصنف للأمرين الذم والمدح. وهذا بين في عبارة ابن المقفع: ((من وضع كتابا فقد استهدف؛ فإن أجاد فقد استشرف، وإن أساء فقد استُقذف)). وبسبب هذا الفهم للمثل ألف الدكتور عبد الله الغذامي كتابا بعنوان "الكتابة ضد الكتابة" قال في أوله: ((الكتابة عمل تحريضي، يحرض الذات ضد الآخر، وهي في الوقت ذاته تحريض للآخر ضد الذات، ولشيء صحيح قال العرب: من ألف فقد استهدف)).
ومن أسباب الوهم أن الفعل استهدف جاء على زنة استفعل والتي قد يقتصر البعض على معنى الطلب فيها. ولهذا يذهب الظن بالكثير إلى أن استهدف بمعنى طلب الهدف. والحق أن استفعل لها معان كثيرة غير الطلب فتأتي للتحول والصيرورة كاستحجر الطين واستبحر الغدير وللمطاوعة كاستقام وتأتي موافقة لتفعل كاستكبر بمعنى تكبر وتأتي موافقة لافتعل كاستعصم بمعنى اعتصم وموافقة الفعل الثلاثي كاستبان بمعنى بان وتأتي للوجدان كاستقل أي راه قليلا.
وفي مثالنا إما أن نقول إن استهدف جاءت موافقة لأهدف قال الفيومي في "المصباح المنير": ((و (أهدف) لك الشيء بالألف انتصب و (استهدف) كذلك)). وإما أن نقول إن استهدف للصيرورة أي أن المؤلف صير نفسه هدفا.
كلام الشيخ الهلالي على استعمال الفعل استهدف
من العلماء المعاصرين الذين نبهوا على الوهم في استعمال الفعل استهدف الشيخ تقي الدين الهلالي يقول في كتابه "تقويم اللسانين "فرأيت من الجميل نقله هنا قال: ((من الأخطاء الشائعة في هذا الزمان قولهم يستهدف كذا أو يهدف إلى كذا يريدون أنه يقصده ويتخذه هدفا ولم تستعمله العرب بهذا المعنى قال صاحب اللسان الأزهري: روى شمر بإسناد له أن الزبير وعمرو بن العاص اجتمعا في الحجر فقال الزبير: أما والله لقد كنت أهدفت لي يوم بدر ولكني استبقيتك لمثل هذا اليوم فقال عمر وأنت والله لقد كنت أهدفت لي وما يسرني أن لي مثلك بضرتي منك. قال شمر: قوله أهدفت لي، الإهداف الدنو منك والاستقبال لك والانتصاب يقال أهدف لي الشيء فهو مُهدِف وأهدف لك السحاب والشيء إذا انتصب. ثم قال وفي حديث أبي بكر قال له ابنه عبد الرحمن لقد أهدفت لي يوم بدر فضفت عنك فقال أبو بكر لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك أي لو لجأت إلي لم أعدل عنك و كان عبد الرحمن وعمرو يوم بدر مع المشركين وضفت عنك أي عدلت انتهى.
¥