تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقرأت ذلك عامة قرأة الأمصار (فأطلعُ) بضم العين ردًّا على قوله: (أبلغُ الأسباب) وعطفا به عليه.

وذُكِر عن حميد الأعرج أنه قرأ (فأطلعَ) نصبًا جوابا لِـ (لعلِّي)، وقد ذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:

عل صروف الدهر أو دُولاتها

يدلننا اللمة من لَمَّاتِها

فتستريحَ النفس من زفراتها

فنصب فتستريحَ على أنها جواب لِلَعَلَّ

والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفعُ في ذلك؛ لإجماع الحجة من القراء عليه)). تفسير الطبري، ط: دار هجر (20: 326 ـ 327).

وهذه القراءة التي نسبها إلى حميد، ولم يستجزها هي قراءة حفص عن عاصم، ولكنه لم يذكرها عنه؛ لأنها ليست عنده روايةً، وهذه كسابقتها، فلا يقال: عن الطبري ردَّ قراءة حفصٍ عن عاصمٍ، وإنما يصح ذلك لو انه نصَّ على هذا السند من الرواية ثمَّ ردَّه، والله أعلم.

وبعد هذه الأمثلة لعله يظهر لك جليًّا أن قراءة حفص عن عاصمٍ لم تكن من مرويات الطبري رحمه الله تعالى، لذا لا يُشنَّع عليه بردِّ القراءة التي انفرد بها حفص، بزعم أنها قراءة حفص عن عاصم، وأنها متواترة، فتأمل ذلك جيِّدًا تسلم من عيبِ هذا الإمام بما ليس فيه.

وقبل أن أختم هذا البحث أذكر مسألة، ثمَّ مسردًا لانفرادات حفص لتراجع تعامل الطبري معها إن شئت.

أولاً: المسألة العلمية:

إذا ثبت أنَّ الطبري لم يُسند قراءة عاصم من طريق حفص، وليست هذه الرواية من مروياته في القراءة، فإنه لا يحسن رسم الكلمة التي انفرد بها حفص على ما يوافق قراءته؛ لأن الإمام الطبري لا يفسر القرآن برواية حفص عن عاصم، وسأذكر لك مثالاً يوضِّح وقوع اللبس على محقِّقي تفسير الطبري الفضلاء في دار هجر.

في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم:22).

قال الطبري (( ... (وألوانكم)؛ يقول: واختلاف ألوان أجسامكم.

(إن في ذلك لآيات للعالمين)؛ يقول: إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لخلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التي كانوا بها قبل مماتهم من بعد فنائهم.

وقد بينا معنى العالَمين فيما مضى قبل)) تفسير الطبري، ط: دار هجر (18: 479).

لقد قرأ المحققون الفضلاء لفظ (العالَمين) بكسر اللام هكذا (العالِمين)، ثمَّ أعادوا إلى ما ذكر الطبري أنه مضى قبل، وذلك ـ كما ظنوا ـ (ص: 407) من هذا الجزء، وهو قوله تعالى: (وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت: 43).

وهذا لا يتناسب مع قراءته التي دلَّ عليها بتفسيره حيث قال: ((لعبرة وأدلة لخلقه ... )) وهؤلاء هم العالَمون بفتح اللام، لا العالِمون بكسرها، والله أعلم.

ثانيًا: مفردات حفص من كتاب مفردات القراء العشرة من طريق الشاطبية والدرة، للأستاذ محمد بن عوض زايد الحرباوي:

1 ـ هُزُوا، وجميع ما ورد مثله / بالواو بدلا من الهمزة، وضم الزاي.

2 ـ يُرجعون (آل عمرن: 83) / بياء الغيبة مضمومة.

3 ـ يجمعون (آل عمران: 157) / بياء الغيبة، والباقون بالتاء.

4 ـ سوف يؤتيهم (النساء: 152) / بالياء، والباقون بالنون.

5 ـ استَحَقَّ (المائدة: 107) / بفتح التاء والحاء، والباقون بضم التاء وكسر الحاء.

6 ـ تَلْقَفُ (الأعراف: 117، طه: 69، الشعراء: 45) / بسكون اللام مع تخفيف القاف.

7 ـ معذرةً (الأعراف: 164) / بنصب التاء، والباقون بالرفع.

8 ـ مُوهِنُ كيد (الأنفال: 18) / بسكون الواو مع تخفيف الهاء، وحذف التنوين وجرِّ الكيد.

9 ـ معيَ عدوًّا (التوبة: 83) / فتح الياء، وأسكنها الباقون.

10 ـ متاعَ (يونس: 23) / بنصب العين، ورفعها الباقون.

11 ـ ويوم يحشرهم (يونس: 45) / بياء الغيبة، والباقون بالنون.

12 ـ من كلٍ زوجين (هود: 40) / بتنوين (كلٍ) والباقون بترك التنوين.

13 ـ يا بني (يوسف: 6) / بفتح الياء.

14 ـ دأَبًا (يوسف: 47) / بفتح همزة (دأَبا) والباقون بالسكون.

15 ـ نوحي إليهم (يوسف: 109) وفي النحل والأنبياء / بالنون مع كسر الحاء، والباقون بالياء مع كسر الحاء.

16 ـ ليَ عليكم (إبراهيم: 22) / فتح الياء من (ليَ)، والباقون بسكونها.

17 ـ ورجِلِك (الإسراء: 64) بكسر الجيم، والباقون بسكون الجيم.

18 ـ لمَهلِكهم (الكهف: 59) / بفتح الميم وكسر اللام، وشعبة بفتح الميم واللام، والباقون بضم الميم وفتح اللام.

19 ـ تُسَاقِط (مريم: 25) / بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف.

20 ـ إن هذان (طه: 63) / بسكون النون في إن. وهذان بالألف مع تخفيف النون.

21 ـ قال رب احكم (الأنبياء: 112) إثبات الألف في قال، والباقون بحذف الألف على سبيل الأمر (قُل).

22 ـ سواءً (الحج: 25) بنصب الهمزة، والباقون برفعها.

23 ـ والخامسةَ أن غضب (النور: 9) / بنصب التاء من (الخامسةَ)، والباقون بالرفع.

24 ـ تستطيعون (الفرقان: 19) بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة.

هذه بعض الانفرادات، وبعضها تركته لأنه ذُكر في النقول السابقة، وبعضها مما يتعلق بالأداء، وهو مما لا يعتني به الطبري.

وأخيرًا أُشير إلى ملحوظة تحتاج إلى استقراءٍ آخر لعلي أنقله من رسالةِ ماجستير في اختيار أبي عبيد للباحث عبد الباقي سيسي.

ويظهر لي ـ وهو مما يحتاج إلى دراسة فاحصة ـ أن الطبري كوفي الأصول يعتمد على علمائهم، فاعتمد على الفراء في الإعراب، واعتمد على أبي عبيد في القراءة، والله أعلم.


الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
[email protected]
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1071
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير