تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قول الباري سبحانه (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) محكم غير منسوخ

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[14 - 08 - 04, 06:18 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال العلامة أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي في الفنون 1/ 396:

قال بعض الفقهاء: ما أكثر ما أدخل المفسرون في النسخ ما ليس منه! كقولهم: {اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، قالوا:نسخت بقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله لما عظم ذلك عليهم، لما قال: {حَقَّ تُقَاتِهِ}، فكان نسخا.

والعلماء من الفقهاء والأصوليين: أنكروا ذلك إنكارا شديدا، وقالوا: مهما أمكن أن يكون تفسيرا فلا يجعل نسخا، وقد أمكن أن يكون القوم ظنوا أن {حَقَّ تُقَاتِهِ} يزيد على ما يدخل تحت استطاعتهم حيث سألوه (1) فقال: " حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر ". فلما انظمّ هذا القول إلى ظنونهم، أزال الباري سبحانه الإشكال، وفسر كلامه بما أراد من الحق وعناه، مثلما فسر قوله: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، ولم يكن ذلك نسخا، بل كان تفسيرا، وبيانا لمقدار الحق.

كذلك ذكر مقدار الحق ههنا بالاستطاعة، فبطل ما ادعوه من النسخ.


(1) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي أشار إليه ابن عقيل روي مرفوعا، وموقوفا والموقوف أظهر قاله ابن كثير. راجع كلامه عند تفسير آية آل عمران.

ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[15 - 08 - 04, 08:54 ص]ـ
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
وكما هو معلوم أن السلف كانوا يستخدمون النسخ بمعنى التخصيص، ولهذا أمثلة متعددة.

وأما النسخ في هذه الآية فقد قال به عدد من السلف وقد يكون قصدهم التخصيص
وأما ابن عقيل فقد أنكر على من يستخدم النسخ بمعنى التخصيص وذلك فيما نقله عنه ابن الجوزي في نواسخ القرآن

قال ابن الجوزي (وقال ابن عقيل ليست منسوخة لأن قوله ما استطعتم بيان لحق تقاته وأنه تحت الطاقة فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى تفسير مجمل أو بيان مشكل وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف ما لا يطاق فأزال الله إشكالهم فلو قال لا تتقوه حق تقاته كان نسخا وإنما بين أني لم أرد بحق التقاة ما ليس في الطاقة) انتهى.

وهذا القول لايوافق عليه ابن عقيل رحمه الله، حيث أن استعمال السلف للنسخ بمعنى التخصيص استعمال صحيح، وكون المتأخرين يستخدمون النسخ بمعنى رفع الحكم فلا مشاحة في ذلك ولكن ينبغي مراعاة استخدام السلف لمعنى النسخ.

وقد فهم ذلك أبو جعفر النحاس حيث قال (معنى قول الاولين نسخت هذه الآية أي أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه) انتهى.

ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[15 - 08 - 04, 09:29 ص]ـ
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله (وكثير من السلف يريد بلفظ النسخ رفع ما يظن أن الآية دالة عليه)

وقال في الاستقامة ج: 1 ص: 23
وإن كان السلف يسمون الجميع نسخا ولهذا لم يكن السلف من الصحابة والتابعين يتركون دلالة آية من كتاب الله إلا بما يسمونه نسخا ولم يكن في عهدهم كتب في ذلك إلا كتب الناسخ والمنسوخ).

وقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في حاشية تهذيب السنن (6\ 291)
وهذا يدل على أن ابن مسعود يرى نسخ الآية في البقرة بهذه الآية التي في الطلاق وهي قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهذا على عرف السلف في النسخ فإنهم يسمون التخصيص والتقييد نسخا) انتهى.

ويقول الشيخ سعود الفنيسان
(على أن السلف من الصحابة والتابعين أكثر ما يطلقون لفظ النسخ في القرآن يريدون به التخصيص وهو غير ما يريده أو عرفه به علماء الأصول، حيث هو عندهم: " رفع الحكم السابق بحكم لاحق بدليل شرعي متراخياً عنه "، فالمعنى عند السلف حين فسروا النسخ بالتخصيص أوسع من تعريف المتأخرين) انتهى.

http://www.quranway.net/Library/aviewer.asp?FileType=2&fId=97

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[15 - 08 - 04, 11:02 م]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا المفيد أبا عمر
و كرماً صحح الخطأ في العنوان: الباري سبحانه.

حسب فهمي الفاتر من كلام ابن عقيل ـ رحمه الله ـ أنه يريد:
أن الآيتين معناهما واحد تماما، ومن ظن أن الآية الأولى مشتملة على أكثر مما اشتملت الآية الثانية فقوله باطل.
ولذا قال السخاوي في الطود الراسخ 1/ 273: وقال جماعة من العلماء: ليس هذا بنسخ، والآيتان معناهما واحد.اهـ.
وهذا شيء من قول من قال بالنسخ:
قال الطبري (1): حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ثم أنزل التخفيف واليسر وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) فجاءت هذه الآية فيها تخفيف وعافية ويسر ...
حدثنا محمد قال ثنا أحمد قال ثنا أسباط عن السدي (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) فلم يطق الناس هذا، فنسخه الله عنهم فقال: (فاتقوا الله ما استطعتم).
حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال قال ابن زيد في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) قال: جاء أمر شديد، قالوا: ومن يعرف قدر هذا، أو يبلغه فلما عرف أنه قد اشتد ذلك عليهم = نسخها عنهم وجاء بهذه الأخرى، فقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) فنسخها.

قلتُ: هذا المنقول من كلامهم صريح في أن الآية الأولى قد اشتملت على أكثر مما دلت عليه الأخرى، وهذا هو الذي هجم عليه ابن عقيل بالإبطال، وقال: مهما أمكن أن يكون تفسيرا فلا يجعل نسخا، وقال: وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى تفسير مجمل، أو بيان مشكل.
وبيان المجمل، وتفسير المشكل = غير النسخ، و التخصيص، في علم أخيك فإن كان غير ذلك فأنا شاكر لك على الإفادة.
والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير