[فقه قراءة سورة (ق) في خطبة الجمعة]
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[16 - 06 - 03, 01:57 ص]ـ
روى الإمام مسلم في صحيحه
871حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق الحنظلي جميعا عن ابن عيينة قال قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو سمع عطاء يخبر عن صفوان بن يعلى عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر (ونادوا يا مالك)
872 حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لعمرة قالت أخذت (ق والقرآن المجيد) من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة.
872 وحدثنيه أخبرنا بن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أخت لعمرة بنت عبد الرحمن كانت أكبر منها بمثل حديث سليمان بن بلال.
873 حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن بنت لحارثة بن النعمان قالت ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة قالت وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا
873 وحدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن بينها عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس.
قال القرطبي في المفهم (2/ 512) (وفي قراءته صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يعني قوله تعالى (ونادوا يامالك)) وسورة (ق) دليل على صحة استحباب مالك قراءة شيء من القرآن في الخطبة، وخصّ هذه الآية، وسورة (ق)، لما تضمنته من المواعظ، والزجر والتحذير) انتهى.
وقال النووي في في شرح مسلم06/ 160) (قوله: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر (ونادوا يامالك) فيه القراءة في الخطبة، وهي مشروعة بلا خلاف، واختلفوا في وجوبها، والصحيح عندنا وجوبها وأقلها آية.
قوله: (ما حفظت (ق) إلا من في النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة)
قال العلماء سبب اختيار (ق) أنها مشتملة عى البعث والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة، وفيه ديل للقراءة في الخطبة كما سبق، وفيه استحباب قراءة (ق) أو بعضها في كل خطبة) انتهى.
يتلخص لنا مما سبق فوائد:
الأولى:
مشروعية قراءة آيات من القرآن في خطبة الجمعة سواء قيل بالشرطية أو الوجوب أو الاستحباب.
الثانية:
فهم بعض الناس من قول أم هشام بنت الحارث بن النعمان (ما حفظت (ق) إلا من في النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة) سنية الخطبة بقراءة سورة (ق) بمفردها، والظاهر أن هذا غير مرادها لأنها قالت (يخطب بها كل جمعة) وفي اللفظ الآخر (وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة) وفي لفظ (يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس)، فهي تقصد أنه يقرأ آيات منها في خطب الجمعة، ولاتقصد أنه يقرؤها كل جمعة، فحفظتها من كثرة ما يردد النبي صلى الله عليه وسلم آياتها في ثنايا خطبه.
الثالثة:
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 423 - 424) (وكذلك كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإِيمان من الإِيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائِه، وذكرِ الجنة، والنار، وما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعدَّ لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب مِن خُطبته إيماناًَ وتوحيداً، ومعرفة باللّه وأيامه، لا كخُطب غيره التي إنما تُفيد أموراً مشتركة بين الخلائق، وهي النَّوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يُحصِّلُ في القلب إيماناً باللّه، ولا توحيداً له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيراً بأيامه، ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة، غير أنهم يموتون، وتُقسم أموالهم، ويُبلي الترابُ أجسامهم، فيا ليت شعري أيّ إيمان حصل بهذا؟! وأيِّ توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟!.
ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذِكر صفات الربِّ جل جلاله، وأصولِ الإيمان الكلية، والدعوة إلى اللّه، وذِكر آلائه تعالى التي تُحبِّبه إلى خلقه وأيامِه التي تخوِّفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يُحبِّبهم إليه، فيذكرون مِن عظمة اللّه وصفاته وأسمائه، ما يُحبِّبه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذِكره ما يُحبِّبهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائعُ والأوامرُ رسوماً تُقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطَوْها صورها، وزيّنوها بما زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سنناً لا ينبغي الإخلالُ بها، وأخلُّوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإِخلال بها، فرصعوا الخُطب بالتسَجيع والفِقر، وعلم البديع، فَنقَص بل عَدمَ حظُ القلوب منها، وفات المقصود بها.
فمما حفظ من خطبته صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطُب بالقرآن وسورة (ق). قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ما حفظت (ق) إلا منْ في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما يخطب بها أعى المنبر.) انتهى.
¥