غير أني أريدُ أن أوضح حقيقة هامة قد تخفى على الكثير منا الآن وهي أن الفقهاء عندما ذكروا هذا التصنيف (القارئ والأمي) عنوا الإنسان الذي بذل الجهد في التعلم ليمحو الصفة التي نشأ عليها وهي الجهل. أما الإنسان الذي لم يبذل جهدًا ولم يفرغ وسعًا في طلب العلم ليمحو الجهل الذي هو عليه فجميع أفعاله باطلة مردودة حابطة الأثر بإجماع.
يقول الإمام العلامة / أحمد بن رسلان في متن الزبد:
فعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
وكل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل
أعلمُ يقيناً أن كثيرًا من سماسرة الفقهاء فضلاً عن غيرهم لن يرضيهم هذا الكلام لأنهم اتخذوا الكثرة العددية درعًا واقيًا لهم ليحطموا أمامه أي دليل ولقد أصبح لهم مبدأ سمعته من الكثير منهم هو (كن مع الأكثرية تنجو)!
علمنا أن القارئ عند الفقهاء هو من يحسن الفاتحة.
س 1 ـ ما معنى يحسن الفاتحة؟
س 2 ـ لماذا اختصت الفاتحة بالذكر دون غيرها؟
ج 1 ـ معنى يحسن الفاتحة:
أن يهتم بها القارئ فيقرأها مجودة بأن يخرج كل حرف من مخرجه الصحيح مع إعطاءه حقه من الصفات اللازمة ومستحقه من الصفات العارضة مراعيًا للمدود الطبيعية سواء في آخر الكلمة مثل: الرحيم، الدّين، نستعين فالقارئ يأتي بهذا المد في حالة القصر بمقدار حركتين ولا إشكال في ذلك والحمد لله.
أما المشكلة الكبرى والخطأ الجسيم يكمن في المد الذي في وسط الكلمة مثل كلمة الرحمن فيوجد ألف بين الميم والنون، هذا الألف ساقط عند الكثير من القراء ولا يوجد سبب لحذفه فيجب أن يأخذ حقه من المد حركتين مثل ياء الرحيم، وكذلك يوجد ألف في لفظ الجلالة بسم الله بين اللام والهاء هذا الألف محذوف من الخط ثابت في اللفظ خوف اشتباه الكلمة باللاهي الذي هو الساهي ضد المنتبه، فيجب إعطاء هذا المد حقه حركتين، وكذلك باقي الكلمات مثل: إيّاك، الصراط، صراط، الذين (الياء)، المغضوب (الواو)، أما كلمة (الضالّين) فحرف المد هنا وهو الألف يلزم مده بمقدار ست حركات ولا خلاف على ذلك والحمد لله، غير أني أريدُ أن أبينُ أن حركات المد الست تعد على أصبع السبابة وحده فالقبض حركة، والبسط حركة أخرى بين التأني والإسراع، وليعلم الجميع بأن الزيادة أو النقصان في هذا المد تعد من اللحن الجلي وأن من زاد أو نقص في هذا المد فقد أساء وظلم وارتكب لكبيرة. وأسمع الكثير من الأئمة الآن يقرءون الفاتحة بقصر المد العارض للسكون حركتين في كل كلماتها إلا كلمة (الضالّين) فيأتي بالياء الأخيرة أربع حركات أو ست وربما أكثر من ذلك، ولا أجدُ سببًا واحدًا صريحًا لتخصيص هذا الموضع بهذا المد، لكن لكثرة تفشي ذلك الخطأ وانتشاره وجدتُ لهُ سببًا معنويًا لا يفطن إليه كثير من الناس وهو أن هذا الإمام يريد أن ينبه المصلين أنه قد انتهى من قراءة الفاتحة وعليهم أن يقولوا الآن آمين!!! وليس العجب أن ترى أمرًا معوجًا ولكن العجب أن ترى أمرًا مستقيمًا.
هناك مشكلة أخرى تعلقت بالبسملة يجب التنبيه عليها وهي:
هل نجهر بالبسملة في القراءة الجهرية أو نسر بها؟
هذه المسألة عند الفقهاء من المسائل التي فيها خلاف فمن جهر بالبسملة فقراءته صحيحة، ومن أسر بالبسملة فقراءته صحيحة، وأدلة المسر أقوى عند الكثير منهم من أدلة الجهر. إذاً أين المشكلة؟
المشكلة الآن تكمن في معنى (الإسرار)، أجدُ الإمام يقرأ وخاصة في الركعة الثانية الله أكبر .. الحمد لله رب العالمين متصلة بالتكبير دون أدنى فاصل في الزمن وإذا ما سئل هذا الإمام عن البسملة قال: بسملت في سري وهو في هذه الحالة لم يفرق بين الإسرار وحديث النفس.
فما معنى الإسرار وما هي حقيقته؟
لقد بين العلماء ذلك فقالوا: إن أقل السر هو:
(صوت مشتمل على أحرف يخرج من لسان المتكلم تسمعه أذنه على الأقل وما دون ذلك فهو حديث نفس).
وقد تفشى ذلك الخطأ الآن وانتشر، لذلك أرى على الرغم من أن أدلة المسر بالبسملة أقوى إلا أن الجهر بها الآن أولى حتى لا تسقط البسملة من الفاتحة وهي إحدى آياتها فتبطل الصلاة بدونها، وذلك للحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
¥