إن من رحمة الله بعباده أن تولى حفظ كتابه فقال تعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))، وحفظ القرآن العظيم اقتضى بالضرورة حفظ اللغة العربية لأن القرآن الكريم لا يمكن أن ينطق بغير هذا اللسان العربي الفصيح قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ))، وقال جل ذكره ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))
هذا شرف للغة العربية ولكل من انتسب إليها أن كان كلام رب العالمين بهذه اللغة المباركة، لذلك فاللغة العربية محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم.
ولكن كيف يتم هذا الحفظ على مر العصور والأزمان؟
إنهم السادة العلماء أصحاب المسئولية الذين أوقفوا حياتهم لبيان الحق من الباطل وكشف الزيف بالحجة والدليل، فصنفوا المتون وأرسوا القواعد وبذلوا في ذلك كل غال ونفيس فاستحقوا بذلك شرف الصحبة مع الملائكة حيث قال الله تبارك وتعالى ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) وكفاهم فخرًا أن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)).
بهؤلاء العلماء حفظ الله الدين وحفظ بهم القرآن وحفظ بهم السنة وحفظ بهم اللغة، فلا يمكن لعاقل أن يتجاهل ما ذكروه أو يتغافل عن الذي بينوه أو يتعامى عن الذي حذروا منه ووضحوه، ولله در القائل:
ولولا رواة الدين ضاع وأصبحت معالمه في الآخرين تبيد
همو هاجروا في جمعها وتبادروا إلى كل أفق والمرام كؤود
وقاموا بتعديل الرواة وجرحهم فدام صحيح النقل وهو جديد
بتبليغهم صحت شرائع ديننا حدود تحروا حفظها وحدود
وصح لأهل النقل منهم حجاجهم فلم يبق إلا عاند وحقود
وحسبهمو أن الصحابة بلغوا وعنهم رووا لا يستطاع جحود
فمن حاد عن هذا اليقين فمارق مُريد لإظهار الشكوك مَريد
ولكن إذا جاء الهدى ودليله فليس لموجود الضلال وجود
وإن رام أعداء الديانة كيدها فكيدهمو بالمغزيات مكيد
لذلك كان لزامًا على كل باحث في أي مسألة من مسائل هذا الدين أن يرجع إلى هؤلاء العلماء متجردًا من الأهواء هدفه الأول والأخير إرضاء رب العالمين.
ونحن في هذا المقام بصدد مسألة ((التشابه بين حرفي الضاد والظاء)) وهذه المسألة لها في التاريخ القديم جذور عميقة وهي قائمة حتى الآن، وقد كتب فيها السادة العلماء الأعلام كثيرًا من مؤلفاتهم حتى وصفها أحدهم بأنها مسألة ((طويلة الذيل))، ولكن ما دام الخطأ مستمرًا فلابد من البيان والتحذير لأن الخطأ مهما طال لا يصح بالتقادم أبدًا والبيان فرض دائم ((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)).
إن اهتمام العلماء القدامى بحرفي الضاد والظاء لم يكن لإثبات التشابه الصوتي بينهما لكونهما يشتركان في خمس صفات! فصوت الضاد ثابت وصوت الظاء ثابت، غير أن المشكلة كانت تكمن في نطق الضاد مكان الظاء أو نطق الظاء مكان الضاد، فكان هذا الاهتمام وتلك الرعاية من السادة العلماء لحرف الضاد لما يترتب عليه من صحة الصلاة وبطلانها لكونه ذكر في فاتحة الكتاب مرتين، ولكونه مشتبه في السمع بالظاء
وهذا التشابه في أصوات الحروف لم ينحصر في اللغة العربية وحدها، ولكنه في كثير من اللغات الأخرى فنجدُ في اللغة الإنجليزية مثلاً التشابه الصوتي واقع وواضح بين حرفي (ال B ) و (ال P ) فالصوت في الحرفين من جنس واحد، ولم يستغرب ذلك عندهم، ولم يستهجن عند بعضهم ولا مشقة لديهم في نطقه. فلماذا إذاً هذا التعنت لدينا الآن تجاه التشابه بين صوتي الضاد والظاء؟
إن حرف (ال P ) له صوت خاص به وصورة يكتب بها، وحرف (ال B ) له صوت خاص به وصورة يكتب بها ولا نجد عندهم أدنى مشكلة في النطق على الرغم من أن (ال P ) و (ال B ) من مخرج واحد واتفقتا في جميع صفاتهما إلا صفة واحدة وهي صفة الجهر وضدها الهمس فحرف (ال P ) مهموس وحرف (ال B ) مجهور.
¥