تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على طالب العلم، وحتى تجنّبه كثيرًا من الزَّلل في فهم مُرَاد أبي جعفر.

ولكنْ تبيَّن لي على الزمن أن ما طبع من تفسير أبي جعفر، كانَ فيه خطأ كثير وتصحيفٌ وتحريف، ولما راجعتُ التفاسير القديمة التي تنقلُ عَنْه، وجدتُهم يتخطّونَ بعض هذه العبارات المصحفة أو المحرفة، فعلمتُ أن التصحيف قديم في النسخ المخطوطة. ولا غرو، فهو كتابٌ ضخْمٌ لا يكادُ يسلُم كلّ الصواب لناسخه. وكان للذين طبعوه عذرٌ قائمٌ، وهو سقم مخطوطاته التي سلمت من الضياع، وضخامة الكتاب، واحتياجه إلى مراجعة مئات من الكتب، مع الصبْر على المشقة والبَصَر بمواضع الخَلَل. فأضمرتُ في نَفْسي أن أنشُر هذا الكتابَ، حتى أؤدّي بعض حقِّ الله عليَّ، وأشكرُ به نعمةً أنالُها - أنَا لَهَا غيرُ مستحقّ - من ربٍّ لا يؤدّي عبدٌ من عباده شكرَ نعمة ماضيةٍ من نعمه، إلَّا بنعْمة منه حادثةٍ توجِب عليه أن يؤدّي شكرها، هي إقدارُه على شكر النعمة التي سلفت؛ كما قال الشافعي رضي الله عنه.

وتصرَّم الزَّمن، وتفانت الأيّامُ، وأنا مستهلَكٌ فيما لا يُغْني عنّي شيئًا يوم يقوم الناس لربّ العالمين. حتَّى أيقظَنِي عدوانُ العادِين، وظُلْم الظّالمين، وطغيانُ الجبابرة المتكبّرين، فعقدت العزمَ على طبع هذا التفسير الإمامِ، أتقرَّبُ به إلى ربِّ العالمين، ملك يوم الدين.

وأفضيتُ بما في نفسي إلى أخي الأكبر السيد أحمد محمد شاكر - أطال الله بقاءه، وأقبسني من علمه- فرأى أن تنشره "دار المعارف"، باكورةَ أعمالها في نشر (تُراث الإسلام). ولم يمض إلا قليل حتى أعدَّت الدار عُدّتها لنشر هذا الكتاب الضخم، مشكورةً على ما بذلته في إحياء الكتاب العربيّ.

وكنت أحبُّ أن يكون العمل في نشر هذا الكتاب مشاركة بيني وبين أخي في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، ولكن حالت دون ذلك كثرة عمله. وليتَه فَعَل، حتى أستفيد من علمهِ وهدايته، وأتجنّبَ ما أخاف من الخطإ والزلل، في كتابٍ قال فيه أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب: "قابلتُ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره، فما وجدتُ فيه حرفًا خطأً في نحو أو لغة". وأنَّى لمثلي أن يحقّق كلمة أبي عمر في كتاب أبي جعفر! ونحن أهل زمانِ أُوتوا من العجز والتهاون، أَضعافَ ما أُوتي أسلافُهم من الجدّ والقدرة!

فتفضل أخي أن ينظُرَ في أسانيد أبي جعفر، وهي كثيرة جدًّا، فيتكلّم عن بعض رجالها، حيثُ يتطلب التحقيق ذلك، ثم يخرِّج جميع ما فيه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن وجدَ بعد ذلك فراغًا نَظَر في عملي وراجعه واستدرك عليه. فشكرتُ له هذه اليدَ التي طوّقني بِها، وكم له عندي من يدٍ لا أملك جزاءَها، عنْد الله جزاؤها وجزاءُ كلّ معروفٍ. وحسبُه من معروف أنّه سدّد خُطايَ صغيرًا، وأعانني كبيرًا.

وتوليتُ تصحيحَ نصّ الكتاب، وضبطه، ومقابلته على ما بين أيدينا من مخطوطاته ومطبوعاته، ومراجعته على كتب التفسير التي نقلت عنه. وعلّقتُ عليه، وبيّنت ما استغلقَ من عبارته، وشرحتُ شواهده من الشعر. وبذلتُ جُهْدي في ترقيمه وتفصيله. فكلّ ما كان في ذلك من إحسانٍ فمن الله، وكلّ ما فيه من زَلَلٍ فمنّي ومن عجزي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والنسخ المخطوطة الكاملة من تفسير الطبري، لا تكادُ تُوجَد، والذي مِنْها في دار الكتب أجزاءٌ مفردة من الجزء الأوّل، والجزء السادس عشر، ومنها مخطوطة واحدة كانت في خمسة وعشرين مجلَّدًا ضاع منها الجزء الثاني والثالث، وهي قديمةً غير معروفة التاريخ. وهي على ما فيها تكادُ تكون أصحّ النسخ. وهي محفوظة بالدار برقم: 100 تفسير.

فجعلتها أمًّا لنشر هذا الكتاب. أما سائر المخطوطات فهي سقيمة رديئة، لم تنفع في كثير ولا قليل، فضْلًا عن أنها قطع صغيرة منه.

فنهجتُ نهجًا آخر في تصحيح هذا التفسير، وذلك بمراجعة ما فيه من الآثار على كتاب "الدرّ المنثور" للسيوطي، "وفتح القدير" للشوكاني، فهما يكثران النقل عن تفسير أبي جعفر. أما ابن كثير في تفسيره، فإنه لم يقتصر على نقل الآثار، بل نقل بعض كلام أبي جعفر بنَصِّه في مواضع متفرقة، وكذلك نقل أبو حيان والقرطبي في مواضع قليلة من تفسيريهما. فقابلتُ المطبوع والمخطوط من تفسير أبي جعفر على هذه الكتب. وكنت في هذا الجزء الأوَّل من التفسير أذكر مرجع كلّ أثرٍ في هذه الكتب، ثم وجدتُ أن ذلك يطيل الكتاب على غير جدوى، فبدأت منذ الجزء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير