[مناظرات فقهية رائعة رائقة شائقة]
ـ[أمجد الفلسطينى]ــــــــ[31 - 01 - 10, 11:26 ص]ـ
الحمد لله وحده:
في هذه المناظرات نقف على:
- درجة المستوى العلمي والمعرفي في زمن المتناظرين
- مآخذ الأحكام والأدلة
- طرق التفقه
- آداب المناظرة
- سعة المدارك وضيقها لدى المتناظرين
- غير ذلك مما يعتمد على فطنة القاريء
- المناظرة الأولى:
هي بين شيخي الشافعية في عصرهما (أبو المعالي الجويني صحاب النهاية وأبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب):
سئل الشيخ الإمام أبو المعالي الجويني عمن اجتهد في القبلة وصلى ثم تيقن الخطأ.
فاستدل فيها بأنه تعين له يقين الخطأ في شرط من شروط الصلاة فلزمه الإعادة كما لو تيقن الخطأ في الوقت.
اعترض عليه الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي بأن قال:
لا يجوز اعتبار القبلة بالوقت فإن أمر القبلة أخف من أمر الوقت والدليل عليه شيآن:
أحدهما: أن القبلة يجوز تركها في النافلة في السفر والوقت لا يجوز تركه في النوافل المؤقتة كصلاة العيد وسنة الفجر في السفر وإن استويا في كونهما شرطين
والثاني: أن القبلة يجوز تركها في الفرض في شدة الحرب والوقت لا يجوز تركه في شدة الحرب في الفرض.
فقال الشيخ أبو المعالي: لا خلاف بين أهل النظر أنه ليس من شرط القياس أن يشابه الفرع الأصل من جميع الوجوه وإنما شرطه أن يساويه في علة الحكم فإذا استويا في علة الحكم لم يضر افتراقهما فيما سواها فإنه لو اعتبر تساويهما في كل شيء لم يصح القياس لأنه ما من شيء يشبه شيئا في أمر إلا ويخالفه في أمر.
ثم كون أحدهما أخف والآخر آكد لا يمنع الاعتبار
ألا ترى أنا نقيس الفرض على النفل والنفل على الفرض وإن كان أحدهما أخف والآخر آكد
ونقيس العبادات بعضها على بعض مع افتراقها في القوة والضعف ونقيس الحقوق بعضها على بعض وإن كان بعضها أخف وبعضها آكد.
فكذلك هنا يجوز أن أعتبر القبلة بالوقت وإن كان أحدهما آكد والآخر أخف.
وجواب آخر: أنه كما يجوز ترك القبلة مع العلم في النافلة في السفر والحرب فالوقت أيضا يجوز تركه في الجمع بين الصلاتين في السفر ولا فارق بينه وبين القبلة.
بل القبلة آكد من الوقت ألا ترى أنه لو دخل في صلاة الفرض قبل دخول الوقت مع العلم انقلبت صلاته نفلا ولو دخل في الفرض إلى غير القبلة لم تنعقد نفلا فدل على أن القبلة آكد من الوقت.
فقال له الشيخ أبو إسحاق: أما قولك إنه ليس من شرط القياس أن يساوي الفرع الأصل من كل وجه بل يكفي أن يساويه في علة الحكم ولا يضر افتراقهما فيما سواه يعارضه أن من شرط القياس أن يرد الفرع إلى نظيره وهذا الأصل ليس بنظير للفرع بدليل ما ذكرت فلم يصح القياس.
ولأن افتراقهما فيما ذكرت من جواز ترك القبلة في النافلة في السفر وشدة الحرب وأن ذلك لا يجوز في الوقت دليل على أنهما لا يستويان في العلة لأنهما لو استويا في العلة لاستويا في النظير وإذ لم يستويا في العلة لم يصح القياس.
وقولك لم إذا كان أحدهما أخف والآخر آكد لم يجز قياس أحدهما على الآخر لأنه إذا كان أحدهما آكد والآخر أخف دل على أن أحدهما ليس بنظير للآخر ولا يجوز قياس الشيء على غير نظيره وقولك إنا نقيس النفل على الفرض وأحدهما آكد ونقيس العبادات بعضها على بعض والحقوق بعضها على بعض مع اختلافها غير صحيح لأنه إذا اتفق فيها مثل ما اتفق هاهنا فأنا أمنع من القياس
وإنما نجيز القياس في الجملة فإذا بلغ الأمر إلى التفصيل وقيس الشيء على غير نظيره لم أجوز ذلك
وهذا كما نقول إن القياس في الجملة جائز ثم إذا اتفق منه ما خالف النص لم يجز
ولا نقول إن القياس في الجملة جائز فوجب أن يجوز ما اتفق منه مخالفا للنص
وقولك إنه يكفي أن يستويا في علة الحكم ولا يضر افتراقهما بعد ذلك لا يصح لأنه لا يكفي أن يستويا في علة الحكم غير أني لا أسلم أنهما استويا في علة الحكم لأن افتراقهما فيما ذكرت يدل على أنهما لم يستويا في علة الحكم
وقولك إنه ليس من شرط القياس أن يستوي الأصل والفرع في جميع الأحكام لأنه لو شرط ذلك انسد باب القياس يعارضه أنه ليس من شرط الفرق أن يفارق الفرع الأصل في جميع الأشياء لأنه لو شرط ذلك انسد باب الفرق والفرق مانع كما أن القياس جامع
¥