تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الاحتجاج بالخلاف ديانة أم مخادعة لله؟!]

ـ[أبو ناصر المكي]ــــــــ[02 - 04 - 10, 09:14 م]ـ

[الاحتجاج بالخلاف ديانة أم مخادعة لله؟!]

سعد بن مطر العتيبي

سألني أحد الأشخاص عن حكم مسألة ما، فأجبته بما يقتضيه الدليل وقرنت الجواب بدليله، فبادرني سائلا: هل المسألة متفق عليها أو أن فيها خلافاً؟ قلت وقد أدركت مبتغاه: وماذا يفيدك الجواب؟ قال: إن كان فيها خلاف سيكون أسهل عليّ!

وبالتأكيد ليس هذا الشخص فريداً في فكرته هذه، بل قد ظهرت بين صفوف المنتسبين للاستقامة الظاهرة فكرة البحث عن آراء الفقهاء التي فيها تسهيل في الأحكام الشرعية بغض النظر عن مدى ثبوتها بالأدلة الشرعية، بل ومع العلم أحياناً بكونها مصنَّفة ضمن الشذوذ الفقهي الصارخ، والمؤسف حقاً أن يتبنى بعض هؤلاء العمل بها وإن جاءت على خلاف الدليل الصحيح الصريح؛ بل وتطبيعها والدفاع عنها، كلّ ذلك استناداً إلى وجود خلاف في المسألة!

ومن هنا فتن هؤلاء بعضَ العوام، لظهور الترخص في بعض الأحكام الظاهرة لدى المطبقين لهذه الفكرة التبريرية من الرجال والنساء .. فتسبب هؤلاء في ارتكاب المخالفة بغير دليل من الشرع، وبين صدّ المتبعين للدليل الشرعي من العوام عنه.

وتكمن الخطورة المنهجية في هذا المسلك في ابتغاء الآراء بمعزل عن أدلتها، وجعل الخلاف ذاته دليلاً على المشروعية! وهذا – لا شكّ - انحراف منهجي، يقع فيه بعض المتفقهة فضلا عن غيرهم من الباحثين عن التخفيف من أي طريق كان. فمما لا يخفى على صغار طلبة العلم أنَّ الخلاف ليس معدوداً في الأدلة الشرعية، لا المتفق عليها، ولا ما يعبّر عنها بالمختلف فيها. بل النصّ الشرعي ظاهر واضح صريح في حصر الرجوع في حال النزاع إلى الكتاب والسنة، في مثل قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَوَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْفَإِن تَنَازَعْتُمْفِيشَيْءٍفَرُدُّوهُإِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنكُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُتَأْوِيلاً).

بل إنَّ مما اختصّ به العلماء في النصيحة لهم، الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) كما يقول ابن رجب رحمه الله: " ردّ الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلِّها، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلاّت العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردّها " (1).

وهذا الانحراف بجعل الخلاف في منزلة الدليل الذي أخذ يستشرى اليوم بين بعض المتفقهة، ليس انحرافاً جديداً؛ بل قد نبّه إلى خطورته ومنافاته للشريعة الربانية، عدد من المحققين من أهل العلم؛ فقد قال العلامة الباجي المالكي رحمه الله منكراً تكرر مثل هذا الانحراف لدى المستفتِين بسبب ضعف إنكاره: " وكثيراً ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها: لعلّ فيها رواية؟ أو لعلّ فيها رخصة؟ وهم يرون أنَّ هذا من الأمور الشائعة الجائزة! ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به ولا طلبوه مني ولا من سواي؛ وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتدّ به في الإجماع أنَّه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحلّ لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنَّه حقّ، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه، وإنَّما المفتي مخبر عن الله في حكمه، فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنّه حكَم به وأوجبه، والله تعالى يقول: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) المائدة 49. فكيف يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي! أو يفتي زيداً بما لا يفتي به عمراً لصداقة بينهما، أو غير ذلك من الأغراض؟! " (2).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير