تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - قوله تعالى: ژ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ژ.

وجه الاستدلال:

ظاهر هذه الآية أن الله عز وجل أباح للرجال إتيان النساء -أي الأزواج- في كل مكان شاءوا في القبل أو الدبر، أما مأخذ الإباحة فمن قوله: "فأتوا"، وهو وإن كان أمراً إلا أنه حاصل لدفع توهم المنع، والقاعدة في الأصول -عند جماعة-: [أن الأمر إذا كان لدفع توهم المنع فهو للإباحة]، وأما مأخذ العموم بما يشمل الدبر فمن قوله: "أنى شئتم"، وأنى في اللغة بمعنى أين، وأين اسم استفهام يتعلق بالمكان، والقاعدة في الأصول: [أن أسماء الاستفهام تفيد العموم].

وأجيب عنه بأجوبة:

الجواب الأول: أنه لا يسلم بأن أنى -هنا- بمعنى أين، فأنى في لغة العرب تأتي لعدة معان على جهة الاشتراك، وهي:

- كيف، نحو قوله تعالى:" أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ".

- من أين وَأين، نحو قوله تعالى:" يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ".

- متى، نحو زرني أنى شئت.

والاشتراك من أسباب الإجمال، والقاعدة في الأصول: [يجب التوقف في المجمل حتى يرد البيان]، ومن ثم لابد من دليل على تعيين أحد هذه المعاني.

ونوقش هذا الجواب: بأن القاعدة في الأصول-عند جماعة-: [أنه يجوز حمل المشترك على جميع معانيه إذا لم تكن متعارضة].

وردت المناقشة من وجوه:

- أن القاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أنه لا يجوز حمل المشترك على جميع معانيه]، ومأخذ هذه القاعدة أن هذا الحمل وضع محدث لا شاهد عليه!

وفي سبب النزول -على ما سوف يأتي إن شاء الله تعالى- ما يدل على أنها على معنى كيف فيصار إليه.

-أ ن القاعدة في الأصول-عند من يقول بحمل المشترك على جميع معانيه-:

[أنه يشترط لجواز حمل المشترك على جميع معانيه عدم قيام قرينة على إرادة أحد المعاني]، وقد قامت قرائن على إرادة معنى كيف، وهي:

أ-سبب النزول:

فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها، كان الولد أحول، فنزلت: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".

فسبب النزول هنا بين أن المراد تسويغ كيفية الجماع، لا تسويغ كونه في كل محل.

(فائدة: سبب النزول -هنا-أزال الإجمال الحاصل بسبب الاشتراك).

ويمكن أن يجاب عنه:

أن سبب النزول لا يدل على أن هذا المعنى هو المراد فقط، ومن ثم يمنع من حمل المشترك على جميع معانيه، بل غاية ما يدل عليه أن هذا المعنى مرادٌ، من غير تعرض لباقي المعاني بالإثبات أو النفي، ويقال في تقعيد هذا التقرير: أن القاعدة في الأصول-عند جماعة-: [عدم جواز تعيين أحد أفراد المشترك بسببه].

((وهذا نظير القول بعدم جواز تخصيص العام بسببه)).

ب-أن الله عز وجل قال: " نساؤكم حرث لكم "، وهذه كناية في إتيان المرأة في القبل، الذي هو محل حصول الولد.

قال الجصاص الحنفي في أحكام القرآن (2/ 39): " قوله تعالى: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم الحرث: المزدرع، وجعل في هذا الموضع كناية عن الجماع، وسمى النساء حرثا لأنهن مزدرع الأولاد، وقوله: " فأتوا حرثكم أنى شئتم "، يدل على أن إباحة الوطء مقصورة على الجماع في الفرج؛ لأنه موضع الحرث ".

قال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله- في تفسيره (3/ 95): "وقال مالك لابن وهب، وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل، فقال: كذبوا علي، كذبوا علي، كذبوا علي!، ثم قال: ألستم قوما عربا؟، ألم يقل الله تعالى: " نساؤكم حرث لكم "؟، وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت؟! ".

وأجيب: أن الله عز وجل جعل جميع المرأة حرثاً، حيث قال: "نساؤكم حرث لكم "، فيصدق اسم الحرث على محل النزاع.

قال الفخر الرازي الشافعي في مفاتيح الغيب (6/ 62) في معرض ذكره لأدلة المجيزين: "التمسك بهذه الآية من وجهين الأول أنه تعالى جعل الحرث اسماً للمرأة، فقال:"نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ"، فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة، لا للموضع المعين، فلما قال بعده:" فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ "،كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم، فيكون هذا إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع ".

ونوقش هذا الجواب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير