تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أجل هاتين الدعايتين المتضاربتين ضد علماء ديوبند، يعود الإنسان الذي لا يعلم حقيقة الحال في نصابها الصحيح، متورطاً في الشكوك في شأنهم. ولهذا كله كان هناك شعور في أوساط ديوبند بضرورة بيان مذهب علماء ديوبند المعتدل في شكل موضوعي إيجابي شامل يجعل رجلاً محايدًا يفهم المذهب على حقيقته.

والأمر الثاني: أن مذهب علماء ديوبند عنوان للمنهاج العملي والفكري الذي تلقاه مؤسسو (الجامعة الإسلامية) دار العلوم – ديوبند وكبار مشيختها المعتبرين من مشايخهم بالسند المتصل الذي يرتفع مارًّا بالتابعين والصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك منهاجاً للفكر والاعتقاد جديراً بالاستناد، ونظامًا مثاليًا للأعمال والأخلاق، ومزاجًا و ذوقًا دينيًا معتدلاً لا يتلقاه المرأ بمجرد قراءة الكتب أو الحصول على الشهادة، وإنما يتلقاه من صحبة الأشخاص المصوغين في قالب ذلك المزاج والذوق، كما تلقاه العلماء من التابعين، والتابعون من الصحابة، والصحابة من سيدنا و نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وفي جانب آخر: إن (الجامعة الإسلامية) دار العلوم ديوبند التي يُنْسَبُ إليها هذا المذهب في الأغلب، مركز تعليمي يعمل جاهدًا منذ أكثر من قرن وربع قرن على تدريس العلوم الإسلامية. وقد خرَّج خلال هذه الفترة الطويلة من العلماء من قد يبلغ عددهم مئات الآلاف إلى جانب آلاف من المدارس المنتشرة في شبه القارة الهندية التي تنتسب إلى دار العلوم ديوبند باعتبارها منبعًا لها، وخريجوها هم الآخرون يُسَمَّوْن في المصطلح العام mعلماء ديوبند l .

ومن الواضح أن الخريجين من هذه المدارس والجامعات كلها البالغين عددَ مئات الآلاف، لا يصحّ أن يقال في كل فرد منهم: إنه ناطق صحيح بـ mمذهب علماء ديوبند l وذلك أن أية مدرسة مستقلة متقيدة بنوع خاص من المناهج الدراسية والنظم التعليمية واللوائح الإدارية إنما يتناول طلابَها بالخدمة التعليمية والتربوية والرعاية الأخلاقية لحد تسمح له به قواعدها ولوائحها؛ ولكنها لا تقدر في حال على أن تتابع الأفكارَ التي تُوْلد وتشب في قلب وذهن كل طالب من طلابها في الخلوة، والخطوطَ التي يرسمها لنفسه ليسير عليها في المستقبل، ولاسيما فيما بعد انقطاع صلته الرسمية عنها؛ حيث لا تعود هناك أية إمكانية لمثل هذه المتابعة والتعهد.

فتخرّج من هذه المدارس عدد من السادة يعملون في شتى مجالات الحياة، ينتسبون تعليمياً – بلا شك – إلى دار العلوم ديوبند؛ ولكنه لم يُتَحْ لهم أن يتلقوا بشكل صحيح مذهبَ كبار علماء ديوبند ومزاجهم الديني وذوقهم الإسلامي المُتَوَارَث الذي لا يمكن أن يُتَلَقّى من مجرد الكتب. وبهذه الحيثية فلم يكونوا هؤلاء ناطقين بمذهب علماء ديوبند؛ ولكن الناس ظنوهم ناطقين به لكونهم متخرجين من (الجامعة الإسلامية) دارالعلوم، ديوبند أو من مدرسة أو جامعة نابعة منها، فعَزَوْا كل فكرة من أفكارهم إلى علماء ديوبند.

وقد كان من بين هؤلاء من لم يَرُدّوا فقط على بعض عقائد وأفكار علماء ديوبند ولم يفندوها فقط، وإنما اعتبروها ضلالاً صريحًا؛ ورغم ذلك ظلوا يُعَرِّفُوْنَ أنفسهم بأنهم ناطقون بلسان حال علماء ديوبند. كما وُجِدَ هناك أناس نسبوا أفكارهم الشخصية إلى علماء ديوبند، كما أخذ أناس جزءًا واحدًا من الهيكل المتكامل المعتدل لمذهب علماء ديوبند، وعرضوه على أن ذلك هو mالديوبندية l ونبذوا عناصر أخرى للهيكل وراءهم ظهريًا (لغرض أو مرض).

فمثلاً: وَجَدَ بعض الناس أن مشايخ علماء ديوبند أدَّوا مسئوليتهم كاملة نحو مقاومة ومكافحة كل نظرية باطلة كلما مست الحاجة إلى ذلك؛ فاعتبروا هذه المكافحة وحدها مذهب علماء ديوبند، وأعطوا بموقفهم العملي انطباعًا بأن مذهب علماء ديوبند عبارة عن حركة سلبية لا تُعيرُ في أهدافها أية قيمة للنواحي الإيجابية للدين. ثم إن شتى الاتجاهات توزعت شتى مجالات العمل في خصوص مكافحة النظريات الباطلة، وربما كانت هذه المجالات صحيحة في إطار توزيع الأعمال والمسؤوليات؛ ولكن بعضهم قد غلا في ذلك وأعطى انطباعًا بأن مذهب علماء ديوبند ينحصر في مجاله العملي. كما أن بعض الناس تبنى مبدأ الرد على الأفكار الباطلة؛ ولكنهم لم يتبنوا كليًا تلك المبادئ التي تَقَيّدَ بها علماء ديوبند في سبيل الرد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير