(وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين نَفَى المتوكل عليَّ بن الجهم الشاعر إلى خُرَاسان، وقيل: في سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقد أتينا على خبره وما كان من أمره ورجوعه بعد ذلك إلى العراق، وخروجه يريد السفر، وذلك في سنة تسع وأربعين ومائتين، فلما صار بالقرب من حلب من بلاد قنسرين والعواصم بالموضع المعروف بخشبات لقيته خيل الكلبيين فقتلته، فقال في ذلك وهو في الشرق:
أزيد في الليل ليلُ ... أم سال بالصبح سَيْلُ؟
ذكرت أهل دُجَيْلٍ ... وأين مني دُجَيْلَ؟
وكان علي بن الجهم السامِيُّ هذا - مع انحرافه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وإظهاره التسنن مطبوعاً مقتدراً على الشعر؛ عذب الألفاظ، غزير الكلام، وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب طعم من طعن على نسبه، وما قال الناس في عقب لسَامَةَ بن لؤي بن غالب، وقول علي بن محمد بن جعفر العلوي الشاعر:
وسَامَةُ منا فأما بنوه ... فأمرهُمُ عندنا مُظْلِم
أناس أتونا بأنسابهم ... خُرَافَة مضطجِعٍ يحلم
وقلت لهم مثل قول النبي ... وكل أقاويله محكم
إذا ما سئلت ولم تدر ما ... تقول فقل ربنا أعلم
وقول العلوي فيه أيضاً:
لو اكتنفت النَّضْرَ أو مَعَدّا ... أو اتخذت البيت كهفاً مَهْدَا
وزمزما شريعة ووردا ... والأخشبين محضرا ومَبْدَار
ما ازددت إلا من قريش بعدا ... أو كنت إلا مصقليا وَغْدَ
وإنما أعدنا ذكر هذا الشعر في هذا الموضع - وإن كنا قد قدمنا فيه سلف من هذا الكتاب - لما سنح لنا من ذكر علي بن الجهم في أيام المتوكل، ولما احتجنا إليه عند ذكرنا لشعر علي بن الجهم وإجابته العلوي على هذا الشعر، فكان ما أجاب به علي الجهم لعلي بن محمد بن جعفر العلوي:
لم تُذِقْنِي حلاوة الإِنصاف ... وتعسّفْتنِي أشَدَّ اعتساف
وتركت الوفاء علما بما فيه وأسْرَفْتَ غاية الإِسراف
غير أني إذا رجعت إلى حق بني هاشم بن عبد مناف
لم أجدلي إلى التّشَفًي سبيلا ... بقواف ولا بغير قواف
ليَ نفس تأبى الدنية والأشراف لا تعتمي على الأشرف
وله في الحبس شعر معروف لم يسبقه إلى معناه أحد، وهو قوله:
قالوا: حبست، فقلت: ليس بضائري ... حبسي، وأي مهند لا يُغْمَد؟
أو ما رأيت الليث يألفَ غِيَلهُ ... كبرا، وأوباش السباع تردد
والشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفَرْقَدُ
والنار في أحجارها مخبوأة ... لا تُصْطَلَى إن لم تُثِرْهَا الأزنُدُ
والحبس ما لم تَغْشَه لدنية ... شنعاء نِعْمَ المنزل المستورد
بيت يجحد للكريم كرامة ... وُيزَارُ فيه ولا يزور ويحفد
لو لم يكن في الحبس إلا أنه ... لا يستذلُّكَ بالحجاب الأعبُدُ
ومما أحسن فيه قوله:
خليليَ ما أحْلى الهوى وأمَرَّهُ ... وأعلَمَنِي بالحلو منه وبالمر
بما بيننا من حرمة هل رأيتما ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر؟
وأفصح من عين المحب لسره ... ولاسيما إن أطْلَقَتْ عَبرة تجري
)
انتهى
وفي القصة أعلاه أعني التي في كتاب السماوي أن ذلك كان في عهد المتوكل
فليحرر
فإن تاريخ وفاة الرجل موضع بحث
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 03 - 08, 09:15 ص]ـ
ثم رجعت إلى مروج الذهب
ففيه
(وكانت وفاة علي بن محمد العلوي في خلافة المعتمد في سنة ستين ومائتين.)
ـ[خزانة الأدب]ــــــــ[02 - 03 - 08, 10:33 ص]ـ
حبذا لو يُنقل الحديث عن الحماني إلى موضوع منفصل، فقد ضاع الموضوع الأصلي!
والقول بأن السماوي ينقل عن مصدر قديم: فيه نظر!
لأن النزعة المذهبية ظاهرة على معظم تآليفه، وجُلُّ اهتمامه أو كلُّه لآثار الشيعة، ومن ذلك صناعته دواوين لشعرائهم الذين ضاعت دواوينهم. وظاهر أنه إنما ينقل من المصادر الشيعية ولا سيما المتأخرة (ولا يخفى أن هذه الكتب عامرة بصنوف الكذب لنصرة المذهب، ومن ذلك تلفيق الأشعار ونسبتها إلى القدماء والمشاهير). ولكن السماوي لا يعزو كل قصيدة إلى مصدرها، فضلاً عن أن يناقش صحَّتها، لئلا ينكشف أمرها ولئلا يجادله النقاد في صحة نسبتها إلى ذلك الشاعر، فيلجأ إلى أسلوب التدليس، فيجمع الأشعار في جزء خاص ويسميه (ديوان فلان)!!
وغرضه أن يكون لشعراء الشيعة دواوين وزيادة حضور في التاريخ الأدبي، وأن يكون للترفُّض حضور أكبر في دواوينهم، وأن تندرج القصائد المذهبية المنسوبة إليهم في المصادر المذهبية، في غمار القصائد العامة التي رواها العلماء الأثبات. وقد فعل مثل ذلك لأشعار ديك الجن والصاحب بن عباد، وفعله قبله الشريف الرضي، فجمع نهج البلاغة ونسبه إلى أمير المؤمنين رأساً!!
وفرقٌ كبير بين أن يقال: ديوان الشاعر ضائع والقصيدة أوردها العاملي في (أعيان الشيعة)، وبين أن يقال: القصيدة موجودة في ديوان الشاعر!! وما يفرِّق أكثرُ الناس بين الديوان الأصلي القديم والديوان المعاصر الملفَّق!!
وأراني وقعت فيما نهيتُ عنه في السطر الأول!!
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[02 - 03 - 08, 10:39 ص]ـ
نعم ياأخي الكريم
فقد أثار ابن وهب أشجانا، وحرك أقلاما
لذلك؛
ليت أصحاب الحل والشأن في هذا المنتدى الكريم
يفصلون بين الموضوعين؛
لفائدة الاثنين
وجزى الله الجميع خيرا
¥