تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(كبير)، إن هذا الصوت يكتب في الإنجليزية على ست صور متعددة، لا يُمَيِّز إحداها عن الأخرى منطق أو قواعد، وهي:

( y-e, e-e, ie ,ei ,ea, ee )؛ بينما هو لا يكتب في العربية إلا ياء، وحرف (ك) لا يكتب في العربية إلا كافًا، وهو يكتب في الإنجليزية على صور عدة هي ( ch, q, ck, k , c )، وحرف (ف) لا يكتب في العربية إلا فاء، وهو يكتب في الإنجليزية ( ph, f, gh )، وقس على ذلك ما لا سبيل إلى إحصائه من الأمثلة العديدة في مختلف الأصوات، ثم إن لكل صوت في العربية حرفًا واحدًا يصوره، وبعض الأصوات اللغوية لا يصورها إلا حرفان في الإنجليزية مثل حرف (ش) العربي، الذي يقابله في الإنجليزية ( sh )، وحرف (ذ) الذي يقابله حرفا ( th )، وميزة ثالثة للكتابة العربية، هي أن الحرف لا يقرأ إلا على صورة صوتية واحدة، وليس كذلك الحرف الإنجليزي، فحرف ( c ) ينطق (س) حينًا، وينطق (ك) حينًا آخر، و ( th ) ينطق (ذ) حينًا، وينطق (ث) حينًا آخر، و ( g ) ينطق جيمًا قاهرية تميل نحو الكاف، وينطق جيمًا معطشة حينًا آخر.

أيقال بعد ذلك كله إنَّ العربيَّة معقَّدة نحوًا أو كتابة، والذين يشكون من صعوبتها، أو يتشاكَوْنَ، يُتقنون ما هو أكثر منها تعقيدًا ولا يُخْطِئون فيه؟ بل إنَّ مِنْهُم مَنْ يُتْقِنُ لُغَتَيْنِ أو ثلاث لغات أجنبيَّة مُعَقَّدة فِي بعض الأحيان، يقيمونها ويخجلون أن يُخْطِئوا فيها، حين لا يُقيمون لغتهم ولا يخجلون أن يخطئوا فيها، بل ربما فاخروا به وقالوا ساخرين (نحن لا نتكلم لغة سيبويه)، ولعل كثيرًا منهم لا يعلمون أن (سيبويه) كان فارسي الأصل.

ويقولون إنَّ اللغات الأوربية قد تطورت، فيجب أن تتطور لغتنا كما تطورت لغاتهم، وهناك فرق بين "التطور" و"التطوير" تتطور اللغة بأن تفرض عليها قوانين قاهرة هذا التطور، أما التطوير فهو سعي مفتعل إلى التطور، هو إرادة إحداث هذا التطور دون أن تكون له مبررات تستدعيه، والتطور لا يسعى إليه ولا يصطنع، ولكنه يفرض نفسه فلا نجد بدًا من الخضوع له، وأي نعمة وأي مزية في تطور اللغات الأوربية حتى نسعى إلى افتعال نظيره في لغتنا؟ إن هذا التطور كان نكبة على أصحابه، قطعهم أممًا بعد أن كانوا أمة واحدة، فما زالوا في خلاف وحروب منذ ذلك الوقت، ثم إنه لم يحكم على تراثهم القديم المشترك وحده بالموت، بل هو لا يزال يقضي بين الحين والحين على التراث القومي لكل شعب من هذه الشعوب بالموت، حتى ما يستطيع الإنجليزي اليوم من عامة الشعب أن يفهم لغة (شكسبير) الذي مات في القرن السابع عشر، بينما لا يستطيع الإنجليزي المثقف أن يقرأ ما قبل شكسبير، مثل تشوسر، ولا يقدر عليه إلا قلة من المتخصصين، ومثل ذلك الفرنسية والإيطالية وسائر اللغات الأوربية الحديثة، أمَّا نحن العرب على اختلاف أقدارنا من الثقافة، فنقرأ القرآن ونفهمه إلا قليلاً مما ترجع صعوبته إلى دِقَّة المعانِي في أغلب الأحيان، ونقرأ رسائل الجاحظ، وأغاني الأصفهاني، فلا نكاد نحس فارقًا بين أسلوبِها وبين أسلوب بعض المعاصرين، فلِماذا نَسْعَى إلى أن نُفْقِد أنفسنا هذه المزايا التي لم تَفرض علينا فقْدَها ضرورةٌ من الضرورات؟ لماذا نحسد أوروبا التي ابتليت بذلك على مصابها، ونصنع صنيع اليهود الذين قالوا لنبيهم حين مروا بقوم من الكفار عاكفين على أصنام لهم يعبدونها: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف: 138]؟

وبعد، فلنعد إلى عرض هذه الدعوات الهدامة التي تستهدف قتل العربية الفصيحة في شيء من التفصيل.

نستطيع أن نحصر هذه الدعوات في شعب ثلاث: تتناول أولاها اللغة، فيطالب بعضها بإصلاح قواعدها، ويطالب بعضها الآخر بالتحول عنها إلى العامية، وتتناول ثانيتُها الكتابة، فيدعو بعضها إلى إصلاح قواعدها، ويدعو بعضها الآخر للتحول عنها إلى الحروف اللاتينية، وتتناول الشعبة الثالثة الأدب، فيدعو بعضها إلى العناية بالآداب الحديثة، وما يتَّصل منها بالقومية خاصة، ويدعو بعضها الآخر إلى العناية بِما يُسمّونه "الأدب الشعبي" ويَقْصِدُون به كُلَّ ما هو مُتداول بِغَيْرِ العربيَّة الفصيحة، مِمَّا يختلف في البلد الواحد باختلاف القرى وبتعدد البيئات، وسنتناول فيما يلي هذه الشعب الثلاث واحدة بعد الأخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير