تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمَّا ما يتناول اللغة من هذه الدعوات، فقد أثاره "المقتطف" أولاً – كما بينا – سنة 1881 م، ثم أثاره القاضي الإنجليزي ولمور سنة 1902، ثم أثاره المهندس الإنجليزي وليم ولكوكس سنة 1926، وأثاره بعض الكتاب، وبعض الصحف والمجلات في خلال ذلك ومن بعد ذلك، ولا يزال يثور حتَّى الآن بين حين وحين، فيهيج بعد سكون، ثم يعود إلى الكمون، كما تتحصن الجراثيم داخل أغلفتها وأكياسها التي تحيط نفسها بها حين تأنس من قوى الجسم الدفاعية صلابة وعنادًا، منتظرة سنوح الفرصة لهجوم جديد في نوبة تعب أو إجهاد أو اضطراب [13] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn13).

والَّذي يَعْرِضُ ما كَتَبَهُ الكتَّاب في ذلك يحسُّ أنَّ هُناك هدفًا واحدًا يَسعى إليه أصحابه من كُلِّ وجه وبكُلِّ وسيلة، وهو محاربة الفصحى والتخلُّص منها، فهم تارة يدعون إلى العامِّيَّة دعوة صريحة، وهم تارة أخرى يدعون إلى التوسط بين الفصحى والعامية [14] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn14)، وتارة يدعون إلى فتح باب التطور في اللغة، والاعتراف بحقِّ الكتَّاب في تغييرها كيفما كان هذا التغيير، وإلى أي مذهب ذهب [15] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn15)، وتارة يدعون إلى إسقاط أبواب معينة من النحو، أو تعديل بعض قواعده [16] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn16)، فإذا لم ينجحوا في شيء من ذلك اكتفوا بالدعوة إلى دراسة اللهجات العامية، وحصر مفرداتها وأساليبها ووضع القواعد والمعاجم لضبطها وإحصائها، يدعون إلى ذلك باسم العلم، واتباعًا للمناهج الأوربية في البحوث اللغوية الحديثة، فإذا سألت هؤلاء عن هدفهم من هذه الدراسات، قالوا: الأوروبيون يفعلون ذلك، فإذا قلت: ما النفع الذي نرتجيه من وراء هذه الدراسة؟ قالوا: إنها دراسة العلم للعلم، إنها لذَّة المعرفة المجرَّدة من كل غرض، هذا ما يقوله الخبثاء الذين يخفون أهدافهم الحقيقية، والمغفلون الذين لا يعرفون ماذا يصنعون، أمَّا من أوتي منهم نصيبًا أوفر من الجرأة وصلابة الوجه فإنه يقول: إننا ندرس اللهجات لأنَّ فيها أدبًا يستحق الدراسة، ولست أدري في أي قسم من هذين القسمين أضع طه حسين، الذي يُبَرِّرُ إنشاء معمل للأصوات في كلية الآداب بأن الحاجة إليه شديدة جدًّا في تعليم اللغات الأجنبية على اختلافها، وبأن إنشاءه ضرورة من الضرورات، إذا أردنا درس اللهجات العربية قديمها وحديثها [17] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn17)، على أن حجج أعداء اللغة العربية في كل حال لا تتجاوز الكلام عن صعوبة تعلم اللغة العربية من ناحية، والقول بعجزها عن تأدية أغراضها الأدبية أو العلمية من ناحية أخرى، وربما أضيف إلى هذين السببين سبب ثالث، أكثَرَ دعاة الفرعونية من الكلام عنه في صدر هذه الفترة التي نؤرخها، وهو تمصير اللغة؛ فاللغة الفصحى – على حسب تعبير أحدهم [18] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn18) - ( تبعثر وطنيتنا المصرية وتجعلها شائعة في القومية العربية، فالمتعمق في اللغة الفصحى يشرب روح العرب، ويعجب بأبطال بغداد، بدلاً من أن يشرب الروح المصرية، ويدرس تاريخ مصر).

وقد ظل كثير من أعداء العربية هؤلاء – والإنجليز منهم خاصة – يحلمون بتأييد أصحاب السلطان أو بتأييد الصحف، ويرون أن ذلك هو أقرب الطرق لتنفيذ مؤامرتهم الهدامة [19] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn19)، وكانوا يجيبون على اعتراض المعترضين بضياع التراث القديم بالتقليل من قيمة هذا التراث تارة، وبإمكان ترجمة الصالح منه إلى العامية الجديدة تارة أخرى، بينما يردون على اعتراض المسلمين بأن علماء الدين مكلفون بدرس كتبه وتفسيرها (وهذا هو الجزء الأكبر من عملهم، إن لم يكن كله، وللمسلمين أسوة بالنصارى من اللاتين والأروام، فإن اللاتين يقرؤون إنجيلهم باللغة اللاتينية، والأروام باليونانية، أو بالمسلمين من الفرس والأتراك فإنهم يقرؤون القرآن بالعربية، وأما كتب الفقه فقد صار العدول عنها إلى النظام، ولا مانع من كتابة النظام بلغة العامة ليفهمه الخاصة والعامة)؛ وربما زعموا أن دراسة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير