تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"على أننا لو هجرنا الحروف العربية إلى حروف تخالفها لنسيت الآداب والعلوم القديمة؛ كما نُسِيَتْ آداب اللغة الهيروغليفية وغيرها من آداب اللغات الأخرى التي لا يستخدم الناس حروفها الآن، ولأصبح بيننا وبين تراث أجدادنا سدٌّ منيع تُعانيه الأجيال المقبلة كما نعانيه نحن في اللغة الهيروغليفية؛ ومما يدلك على ذلك أيضًا أنَّ اللُّغات الَّتي حلَّت الحروف العربية في كتابتها محل حروفها القديمة؛ كالتركية، والفارسية، والأردية، وغيرها قد نسيت آدابها القديمة، وأصبح بينها وبين هذه الآداب حلقة مفقودة".

"إن البحث في مسألة الحروف العربية، أو إصلاحها إلى وجه من الوجوه المتقدِّمة، أو إلى وجه آخر يُشابِهها، إنَّما هو بحث فيه مضيعة للوقت دون الوصول إلى ما يخفف العبء على المتعلمين، على أنَّ الذين يريدون اختصار الطريق بالتشبه بالأتراك؛ إنما هم في حقيقة الأمر لا يريدون إصلاحًا، وإنما يريدون انقلابًا ليس من السهل نجاحه بين هذه الملايين من الذين يستخدمون الحروفَ العربيَّة بين هذه الأمم، وإن نَجَحَ بعض النجاح في أمة لا تزيد على أربعة عشر مليونًا من الأتراك، وليس لها بالحَضارة العربية صلة إلا صلة الدين".

وكتب المستشرق الإيطالي نللينو عن (الحروف اللاتينية – هل تصلح للكتابة العربية؟) [30] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2111#_ftn30) فبدأ حديثه بالكلام عن الانقلاب التركي في الحكومة الكمالية، واستبدالها الحروف اللاتينية بالحروف العربية، وبيَّن أنَّ سبب هذا التغير سياسي، وهو محاربة العنصر العربي والدين الإسلاميِّ، فهم يريدون أن يزعموا أنَّ المدنية التركية أقدم المدنيات، (فهي تتصل بالمدنيات البابلية والآشورية القديمة، ولا اتصال لها بالتمدن الإسلامي، ولهذا نجد حملة قوية تمثَّلت في كثير من المظاهر، كإبطال الأحوال الشخصية، وتطبيق القانون المدني السويسري، وإلغاء الطرق الصوفية، وتغيير الزِّي، ومحاكمة مَنْ يَلْبَسُون الطربوش، والتزام مواعيد العمل في رمضان كالعادة وما إلى ذلك) ثُمَّ عارض نللينو اقتراح كتابة العربية بالحروف اللاتينية، وبنى معارضته على أسباب منها:

1 – أنَّ الخطَّ العربي موافق لطبيعة اللغة العربية، ولو أردنا اسبتدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية لتحتَّم علينا إيجاد حروف جديدة نضيفها إلى الأبجدية اللاتينية الحالية؛ لكي تعبر عن الأصوات العربية التي تمثلها حروف ج، ح، خ، ش، ط، ظ، ص، ض، ع، غ، ولاحتجنا كذلك إلى التمييز بين الحروف المتحركة الممدودة، وبين الحروف المقصورة.

2 – ومنها أنَّ الخط العربي يمتاز بميزة فذة (فهو قريب مما يسمى بالاختزال، والخط العربي ليس في حاجة إلى اختزال؛ لأن طبيعته تغنيه عن طرق الاختزال).

3 – ومنها أن استبدال الخط اللاتيني بالخط العربي يستتبع نتائج خطيرة (فكيف يكون مصير الكنوز العظيمة التي خلفتها الآداب الإسلامية في الدين والفقه والفلسفة والعلوم والآداب والفنون، وغيرها، وكلها مدونة بالخط العربي؟ وأمر كهذا فوق أنه خطر فهو متعذر، لأن الحركات لها شأنها الكبير في الخط العربي، وهي غير كبيرة الأهمية في اللاتيني، ولأنه لا يمكن أن نتصور النفقات الطائلة التي تصرف في هذا السبيل من غير جدوى، وإذا افترضنا أنَّ المنفعة في إبدال الخط العربي لكان من الضروري أن يسبق هذا اتفاق بين الشعوب الناطقة بالضَّاد، ولو كانت مصر وحيدة في اختيار الحروف اللاتينية فيكون هذا سبب انشقاق الوحدة العربية، والآن مصر هي مركز الآداب والعلوم العربية في العالم الإسلامي، فإذا تغيَّرت الحروف العربية فتخسر مصر هذا المركز الأدبي الممتاز).

أمَّا الشعبة الثالثة من هذه الدَّعوة الهدامة فقد كانت تحاول صرف الناس عن الاهتمام بالأدب العربي القديم، فهي تارة تدعو إلى أن تخص الآداب القومية بمزيد من عناية الدارسين، فتعنى مصر بالأدب المصري، ويعنى العراق بالأدب العراقي، ويعنى الشام بالأدب الشامي، وتارة تدعو إلى توجيه عناية خاصة للآداب الحديثة، وتارة أخرى تدعو إلى العناية بما يحلو لبعض الناس أن يسمِّيه الآن "الأدب الشعبي"، والهدف الأول والأخير من كل هذه المحاولات هو صرف الناس عن الثقافة العربية القديمة، وتقليل العناية بالماضي العربي الإسلامي، شعره ونثره وتاريخه وعلومه، بزعم أنَّها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير