الأدب أو بالتجديف. وقد جعلت هذه اللفظة تختفي في السنوات الأخيرة.
ومهما يكن من أمر فإنّ الجرثومة او النواة الدلالية للفعل " بشتن " ومشتقاته في العامية السودانية، إنما تكمن في تقديرنا في هذه الشين " الشينة والمبشتنة والمشاترة "والله أعلم.
ـ[سليمان خاطر]ــــــــ[29 - 08 - 10, 11:55 م]ـ
وهذه ثالثة وإن شئت فلدينا الكثير:
أحال إليّ زميل وصديق عزيز رسالة بالبريد الالكتروني خلال عطلة عيد الأضحى المبارك الذي أظلتنا أيامه ولياليه السعيدة في الأسبوع الفائت. وقد جاءت تلك الرسالة التي كان ذلك الزميل والصديق قد تلقاها بدوره في بريده الالكتروني من مصدر آخر، جاءت تحت عنوان: " لو ما كنت سوداني! ".
وتعدِّد تلك المادة موضوع الرسالة المذكورة، جملة من أنماط القول و السلوك المستشنع وغير اللائق في نظر من أعدّ تلك المادة ابتداءً، والمرتبط حصراً بالفرد السوداني من حيث هو، وذلك مما يدخل في باب النقد الذاتي، والرغبة المشروعة بالطبع في التقويم الاجتماعي والثقافي والمعرفي، أو الإصلاح والتهذيب الأخلاقي بصفة عامة. ولا تخفي تلك المادة مع ذلك خصوصاً فيما يتعلق بما يعتقد انها أخطاء لغوية تنسب إلى السودانيين، نوعاً من الخجل والاستعرار، أو العقدة والإحساس بالنقص بإزاء الآخرين ولهجاتهم المختلفة على وجه أخص.
وقد كان من بين تلك المآخذ العديدة التي انطوت عليها تلك المادة على أنماط سلوك السودانيين وخصوصاً لهجتهم العامية، أنهم يقولون: " تزعة " بالزاي في نطق الرقم " تسعة ". فهل هذه خصيصة أو صفة يستحق أن يخجل المرء منها فعلاً، ويتمنى لو أنه لم يكن سودانياً حتى لا يتصف بها؟، أعني ألاّ ينطق الرقم " تسعة " هكذا: " تزعة " بالزاي عوضاً عن السين.
ولا أود أن أخوض في هذا المقام في مناقشة ما جاء في تلك المادة من مآخذ وانتقادات ضمنية لأنماط السلوك الاجتماعي للسودانيين، فأنا أشاطر الكاتب الأصلي الرأي حول جل ما أورده من ملاحظات وانتقادات صائبة في هذا الصدد، وإنما أود بالحريّ أن أصوب القول تحديداً إلى ما ورد فيها من حديث عن الكلم السوداني العامي،وتصويره على أنه شاذ وغريب أوحتى خطأ بالمقارنة مع بعض اللهجات العامية العربية المعاصرة الأخرى، وخصوصاً تلك التي بات أهلها يحتكون أكثر فأكثر بالسودانيين منذ بضعة عقود، بحكم توافد هؤلاء وإقامتهم ببعض البلاد العربية سعياً وراء كسب الرزق.
لقد سبق لي في الواقع أن أعربت عن اندهاشي في مقال منشور حول تأثيل لفظة " زول " السودانية العتيدة التي تجيء بمعنى: " شخص او إنسان "، وبيان فصاحتها وتأصيلها استناداً إلى كتب اللغة الفصحى ومعاجمها، أعربت عن دهشتي واستغرابي لما ظلت تثيره كلمة " زول " السودانية العربية الفصيحة من استغراب مشوب بالاستنكار لدى بعض الناس، في الوقت الذي لا تقابل به فيه كلمة " زلمة أو زلمي " الشامية التي تطابقها في الدلالة،بذات القدر من الاستغراب والاستهجان، مع أننا لا نجد لكلمة زلمة بمعنى: " إنسان أو شخص " أثراً فيما بين أيدينا من مراجع، فتأمل هذا الحيف والتمييز.
أما نطق السودانيين سين اللفظ " تسعة " زاياً، أي " تزعة " التي عليها مدار حديثنا هذا، فهو جائز وصحيح، وعليه شواهد من اللغة الفصحى، وكذلك من بعض العاميات العربية المعاصرة الأخرى كما سنرى بعد قليل.
فها هو الناقد واللغوي العربي الكبير، أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى في عام 392 هـ، ينص في كتابه:" مخارج الحروف " على أنّ حروف: الصاد والسين والزاي، هي حروف رخوة، ويقول إنّ ثلاثتها تشترك في صفة الصفير، وهو – كما قال – صوت يخرج مع الحرف، يشبه صفير الطائر. وبما أنّ هذه الأحرف الثلاثة تشترك في المخرج والصفة، فإنه كثيراً ما يقع التبادل فيما بينها في اللفظة الواحدة.
¥