(وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) فكان من شكر الله - - لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفاً بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.
(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا) أي: أراد الله {أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي: أن يبلغا ويكبرا حتى يصلا إلى سن الرشد، وهو أربعون سنة عند كثير من العلماء، وهنا ما قال "فأردنا" ولا قال "فأردت"، بل قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ}؛ لأن بقاء الغلامين حتى يبلغا أشدهما ليس للخضر فيه أي قدرة، لكن الخشية - خشية أن يرهق الغلام أبويه بالكفر - تقع من الخضر وكذلك إرادة عيب السفينة.
(وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا) حتى لا يبقى تحت الجدار، ولو أن الجدار انهدم لظهر الكنْز وأخذه الناس.
(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) هذه مفعول لأجله، والعامل فيه أراد، يعني أراد الله ذلك رحمة منه جلَّ وعلا.
(وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) يعني ما فعلت هذا الشيء عن عقل مني أو ذكاء مني ولكنه بإلهام من الله - - وتوفيق؛ لأن هذا الشيء فوق ما يدركه العقل البشري.
(أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ) أي ذلك تفسيره الذي وعدتك به) سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ) (الكهف: من الآية78). أي: تفسيره، ويحتمل أن يكون التأويل هنا في الثاني العاقبة، يعني ذلك عاقبة ما لم تستطع عليه صبراً؛ لأن التأويل يراد به العاقبة ويراد به التفسير.
(مَا لَمْ تَسْطِعْ) وفي الأول قال: {مَا لَمْ تَسْطِعْ} لأن "استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع" كل منها لغة عربية صحيحة.
وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن) فوائد جمة عظيمة في هذه القصة لا تجدها في كتاب آخر فينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً.
وبهذا انتهت قصة موسى مع الخضر.
ثم ذكر الله تعالى قصة أخرى سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:
...
) وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (الكهف:83)
قوله تعالى: {) وَيَسْأَلونَكَ} سواء من يهود أو من قريش أو من غيرهم.
(عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) أي: صاحب القرنين، وكان له ذكر في التاريخ، وقد قال اليهود لقريش: اسألوا محمداً عن هذا الرجل؛ فإن أخبركم عنه فهو نبي، ولماذا سمي بذي القرنين؟ قيل: معناه ذي الملك الواسع من المشرق والمغرب، فإن المشرق قرن والمغرب قرن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المشرق: "حيث يطلع قرن الشيطان"، فيكون هذا كناية عن سعة ملكه، وقيل: ذي القرنين لقوته، ولذلك يعرف أن الفحل من الضأن الذي له قرون يكون أشد وأقوى، وقيل: لأنه كان على رأسه قرنان كتاج الملوك، والحقيقة أن القرآن العظيم لم يبين سبب تسميته بذي القرنين، لكن أقرب ما يكون للقرآن العظيم "المالك للمشرق والمغرب"، وهو مناسب تماماً؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الشمس إنها: "تطلع بين قرني شيطان".
(قُل) لمن سألك: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} وليس كل ذكره بل ذكراً منه، ثم قصَّ الله القصة:
...
) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) (الكهف:84)
قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} وذلك بثبوت ملكه وسهولة سيره وقوته.
(وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي شيئاً يتوصل به إلى مقصوده، وقوله: {كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} لا يعم كل شيء؛ لكن المراد من كل شيء يحتاج إليه في قوة السلطان، والتمكين في الأرض، والدليل على هذا أن "كل شيء" بحسب ما تضاف إليه، فإن الهدهد قال لسليمان عن ملكة اليمن سبأ: {وأوتيت من كل شئ} [النمل: 23]، ومعلوم أنها لم تؤت ملك السموات والأرض، لكن من كل شيء يكون به تمام الملك، كذلك قال الله تعالى عن ريح عاد: {تدمر كل شئ} [الأحقاف: 25]، ومعلوم أنها ما دَمَّرت كل شيء، فالمساكن ما دُمِّرت كما قال تعالى:) فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) (الاحقاف: من الآية25)
) فَأَتْبَعَ سَبَباً) (الكهف:85)
¥