وإلى جانب ذلك هناك تخصصات في الاستشراق تتطلب معرفة اللغة الحبشية واليمنية القديمة ولهجاتها. ومن تخصص في الفلسفة والكلام فعليه دراسة اللغة اليونانية القديمة، ويُمكن دراسة جميع هذه اللغات في مختلف المعاهد الاستشراقية في ألمانيا حسب تخصصها. وكثيراً ما يستخدم الإعلامُ مصطلح (المستشرق) في غير موضعه، فيزعمُ أَنَّ كلَّ فردٍ يُدْلي برأيه في شؤون العالم العربي والإسلاميِّ، أو يُدلي بدلوهِ في الأمور السياسيةِ في الشرق الأوسط يُعتبرُ مُستشرقاً، حتى ولو كان صَحفيَّاً، أو عالماً في العلوم الاجتماعية، أو سياسيَّاً غير ناطقٍ باللغة العربية، وهذا غير صحيح.
شبكة التفسير: ما هو الواقعُ الراهن للدراساتِ الاستشراقية بحسب متابعتك؟
د. موراني: سأقصرُ الحديث على الجانب الأكاديمي، والأبحاث الأكاديمية للمستشرقين في الكليات الجامعية بأقسامها ومعاهدها المتخصصة في الدراسات الإسلامية.
في نظري وحسب تجاربي وما أرى حولي في السنوات الأخيرة، هُناك تراجعٌ مَلموسٌ وعام في جَميع المَجالات الاستشراقية القَديمة (الكلاسيكية). وذلك لأنَّ الاتجاهات الحديثة في الاستشراق نشأت على حساب الدراسات الأصيلة, فيكادُ المرءُ لا يَجدُ معهداً يُركِّزُ على العلوم الإسلاميةِ، كما كان يُركِّزُ عليها الاستشراقُ في بداية القرنِ العشرين حتى السبعينات الميلادية، اللهمَّ إلاَّ القليل النّادرُ من المعاهد الاستشراقية.
وترجع الأسبابُ لذلك التغَيُّرِ (المؤسفِ) في جانب الدراسات الإسلامية إلى انتقال اهتمامات الجيل الحديث إلى دراسة القضايا المعاصرة إِسلاميةً كانت أو عربيةً، غير أَنَّني لم أَزَلْ أتساءلُ: كيف يُمكنُ البحثُ ودراسة حتى هذه القضايا الحديثة والمعاصرة مع الجهل بالعلوم الإسلاميةِ وفروعها. لقد أصبح (للأَسفِ أيضاً) مِن المُعتادِ أَنَّ طالباً جامعياً متخصصاً في الدراسات الإستشراقية، ومع ذلك لم يقرأ سطراً في تفسير الإمام الطبريِّ، ولم يسمعْ باسم الحافظ ابن حَجرٍ العسقلاني , وهذا على سبيل المثال فقط.
غير أنه لا تزال هناك معاهد استشراقية تُدَرَّسُ فيها العلومُ الإسلاميةُ بالمعنى الأصيلِ للاستشراق، وإن كانت سيطرةُ الاتجاهات الحديثة على هذه الدراسات نَحَّتها عن مَنصبِها العَريقِ في كثيرٍ من الأحوال.
شبكة التفسير: ما هي أهم المصادر التي يعتمد عليها المستشرقون في الدراسات القرآنية؟
د. موراني: الدراسات القرآنية ما زالت تحَتلُّ محَلاً بارزاً ورئيساً في الدراسات الاستشراقية حتى اليوم، ومصادرها لا تختلفُ عن المصادر المتداولة بين أيدي المسلمين. فكتب التفسير والقراءات تُمثِّلُ المرتبةَ العليا، والمصدر الرئيس للدراساتِ القرآنيةِ إلى جانب كتب السيرةِ النبوية، وكتب أسباب النزول، وغيرها من المصادر المعروفة.
شبكة التفسير: كيف يمكن تلخيص طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن الكريم؟ وتوثيق القرآن عند المستشرقين؟ وهل يختلف هذا الفهم عن الفهم للقرآن عند الباحثين المسلمين؟
د. موراني: الفهمُ الاستشراقيُّ للقُرآنِ يختلفُ كُلَّ الاختلافِ عنهُ عندَ المسلمين عامةً، والباحثين المسلمين خاصةً، وذلك ما أَثارَ تَوتُّراً، بل حقداً - إنْ صحَّ التعبيرُ - بينَ الطرفين الإسلاميِّ والأُوروبيِّ.
إنَّ المستشرقَ الذي يدرسُ نصَّ القرآنِ وعُلومَه لا ينطلقُ من الحقيقةِ المطلقةِ لدى المسلمين أَنَّّ هذا النصَّ وحيٌ مُنَزَّلٌ، أَي لا يدرسهُ مِن زاويةِ الإيمانِ، بل مِنْ زاوية العلمِ المنفصلِ مِن جَميع ما يدخلُ في باب الإيمان والعقيدةِ. الاستشراقُ يُعالج النصَّ القرآنيَّ وِفقاً لِمَعاييرِ علومِ الدياناتِ العامةِ، وَوفقاً لعلوم التأريخ، فمِن هنا يُمكنُ القولُ: إِنَّ نصَّ القرآنِ في رأي الاستشراقِ ليس إِلاَّ وثيقة تاريخية ثَمينة، باعتباره مبدأً أساسياً في إيمان المسلمين وعقيدتهم. وهذا ما ينبغي على الباحث المسلم مراعاته عند القراءة في دراسات المستشرقين أو مناقشتهم، حتى لا يحصل الخلل في الفهم والنتائج.
شبكة التفسير: ما تقويِمُكَ للكتبِ والبُحوثِ التالية:
- مذاهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر.
- تاريخ القرآن لنولدكه.
- كتاب القرآن للفرنسي ريجيس بلاشير.
¥