تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد وفاة الرسول ? واتساع رقعة الاسلام احتاجت الديار المفتوحة إلى من يقوم بإقرائها وتعليمها القرآن، وأحكام الاسلام، فكان القادة يبعثون إلى الخلفاء ليوفدوا من يعلم الناس القرآن، فهذا يزيد بن أبي سفيان أحد قادة الجيوش الاسلامية التي فتحت ديار الشام يكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب منه أن يعينه برجال من القراء ليعلموا الناس الداخلين في الاسلام، فيوجه اليه ثلاثة من الصحابة هم: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، فيقيم عبادة بن الصامت في حمص، ويقيم أبو الدرداء في دمشق، ويقيم معاذ بن جبل في فلسطين، يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين (). كما أرسل عمر بن الخطاب عبد الله بن مسعود إلى الكوفة، وأبا موسى الأشعري إلى البصرة ().

هؤلاء الصحابة هم الذين أرسوا قواعد مدارس إقراء القرآن في الأمصار الإسلامية، فهذا أبو الدرداء يلي قضاء دمشق، يقول عنه سويد بن عبد العزيز: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم يرجع إلى عريفه، وإذا غلط عريفهم يرجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفا على عشرةِ، كذا قال سويد، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر) (). ومثل هذا جرى في البصرة والكوفة وبقية ديار الاسلام المفتوحة تسير عملية تعليم القرآن مع الفتوحات لتعليم الداخلين في الاسلام، إذ لا تصح العبادة إلا بقراءة القرآن، وكان كل منهم يحرص على تعلمه والتعبد به، والقرآن الكريم هو الذي وحّد ألسنتهم بعد توحيد اعتقادهم، واخذه بسنة التدرج التي درجت عليها الشريعة في معظم أحكامها؛ إذ كان العرب قبائل متناوئة المحال وكان يصعب عليهم قراءته بلغة قريش ولغة الفصحاء من العرب التي أُنْزل فيها القرآن، فكانت رخصة الأحرف السبعة بنص حديث الرسول ? ((إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فأقرءوا ما تيسر منه)) () علاجا لهذه المسألة، وأخذا لهم بسنن التدرج، ويعلل ابن قتيبة ذلك بقوله: (ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات) () ولكن بعد اختلاطهم وتمازجهم وتأثرهم بلغة القرآن الجامعة، وتكرارهم لقراءته، أخذت تزول هذه اللهجات المتباينة بعد اجتماعهم على المصحف الامام الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث بعث مع كل نسخة من هذا المصحف بمقرئ يقرئ الناس بها ويعلمها، وعلى أيدي هؤلاء الذين أخلصوا أنفسهم لإقراء القرآن نشأت العلوم اللسانية والشرعية.

- 5 -

فكان من القراء أبو الأسود الدؤلي الذي قام بنقط المصحف نقط الأعراب، وتعد عملية نقط المصحف العملية الأولى في نشأة النحو العربي.

وكان أبو عمرو بن العلاء سيد القراء في البصرة واحد القراء السبعة يعد رأساً للمدرستين البصرية والكوفية في النحو، إذ تتلمذ على يديه نحاة البصرة والكوفة.

وكان الكسائي أحد القراء السبعة وراس المدرسة الكوفية النحوية

والمنهاج الذي اتبعه هؤلاء المقرئون هو المنهاج نفسه الذي اتبعه رسول الله ? في تعليم أصحابه، من أخذهم بسنة التدرج، فكان منهم من يقرأ عليهم آية آية، ومنهم من يقرأ خمسا خمسا، ومنهم من يقرأ عشرا عشرا.

والتدرج لم يكن في المقدار الذي يحفظه المتعلم فقط، الذي كانت تراعى فيه الفروق المقروئة، بل تعدى ذلك إلى النوعية في اتقان القرآن من ادغام أو عدمه والى همز أو تسهيل ووقف وابتداء، أو فتح وإقالة، وما شابه ذلك من أمور يقتضيها تجويد القرآن وتلاوته وضبط أحكامه، فمثلا كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ عليه المبتدئ لا يحاسبه في أمور الادغام كما لو قرأ عليه المنتهي، قال أبو معشر الطبري: (واعلم أن أبا عمرو كان يميز هذا التمييز على المنتهي، فإذا كان القارئ مبتدئا لا يبالي وقف بالامالة أم بغير الامالة) ().

(والمبتدئ هو من شرع في الافراد إلى أن يفرد ثلاثا من القراءات، والمتوسط: إلى أربع أو خمس، والمنتهي: هو من عرف من القراءات أكثرها واشهرها) ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير